عندما نشبت الأزمة المالية العالمية قبل ثمانية أعوام بدأت الحكومة الأمريكية التصدي لها بخطط تحفيز غير مسبوقة تاريخيًا باعتبار أن شرارة الأزمة انطلقت من أمريكا وقاد الفيدرالي الأمريكي خطط الإنقاذ وأبقى على أسعار فائدة شبه صفرية استمرت لسنوات طويلة إضافة لضخ مئات المليارات ببرامج التيسير الكمي وكان شرط البنك الفيدرالي للعودة لرفع أسعار الفائدة انخفاض نسبة البطالة لأقل من 5 في المائة كأهم مؤشر على أن النمو الاقتصادي عاد بوتيرة مناسبة حيث وصلت البطالة لقرابة 10 في المائة خلال فترة قصيرة من نشوب الأزمة المالية. وحقيقة وصلت البطالة لأقل من النسبة المستهدفة بقليل عند 4.9 في المائة وبدأ الفيدرالي مجددًا برفع أسعار الفائدة بنهاية عام 2015 بتأنٍ وحرص شديد مع مراقبة مستمرة لسوق العمل ونسب البطالة والقطاعات التي تولد الوظائف مع ما يراقبه من مؤشرات أخرى كنسبة التضخم وغيرها من العوامل التي تعبر عن الخروج من الأزمة والانتقال لاقتصاد متعافى كما هو الوضع حاليًا، ما يستفاد من الدرس الأمريكي أن التفكير بحلول البطالة يعني بالضرورة حلول بقية الملفات الشائكة بأي اقتصاد لأن توليد فرص العمل يعني أن النشاط الاقتصادي يسير بخطوات ثابتة نحو أهداف تنموية صحية تنعكس على المجتمع والاقتصاد الكلي. يقودنا هذا التصور عن حلول البطالة في أمريكا إلى ما تم عمله خلال السنوات العشر الماضية بالاقتصاد المحلي حيث كان الإنفاق بأعلى مراحله ويتصاعد سنويًا ليفوق ما تم اعتماده بالموازنات العامة نحو 1.7 تريليون ريال على المشروعات وفعليًا تم توليد ملايين فرص العمل لكن جلّها ذهب للعمالة الوافدة العادية المتدنية التأهيل والدخل وعلى الرغم من ارتفاع معدل التوظيف للمواطنين لكن نسبة البطالة بقيت مرتفعة لتصل في آخر احصاء معلن للربع الثالث من العام الماضي عند 12.1 في المائة مما يعد مؤشرًا سلبيًا لأحد أهم نتائج وأهداف خطط التنمية الاقتصادية التي وضعت خفض البطالة هدفًا أساسيًا لها بأن يتم خفضها إلى 5.5 في المائة بنهاية عام 2014 نهاية تنفيذ خطة التنمية التاسعة. ويبدو أن تحدي خفض البطالة سيكون أكبر من الأعوام الماضية لتغير الظروف الاقتصادية بانخفاض كبير بأسعار النفط منذ عامين تقريبًا وتخفيض الإنفاق الحكومي على المشروعات مع هيكلة اقتصادية تتم حاليًا لتحقيق أهداف رؤية 2030، فالنمو الاقتصادي تراجع بنسب كبيرة العام الماضي ليصل إلى 1.4 في المائة بعد ما استمر لسنوات سابقة فوق مستويات 5 في المائة بالمتوسط بينما يتوقع صندوق النقد الدولي أن يكون النمو لهذا العام عند 0.4 في المائة مما يشير إلى صعوبات وتحديات كبيرة لرفع معدلات النمو بالقطاع الخاص حتى يتم استيعاب العاطلين عن العمل وكذلك الداخلين الجدد للسوق إضافة إلى من فقدوا وظائفهم مع التراجع الاقتصادي الكبير مما يتطلب سرعة معالجة الخطط الاقتصادية التحفيزية وتنفيذها بما يولد فرص عمل مناسبة للمواطنين مع وضع هدف محدد لخفض نسب البطالة لمعدلات تقل عن 5 في المائة خلال مدة لا تزيد عن عشرة أعوام. ولكي تكون النتائج فعالة وسريعة الأثر لا بد من التنسيق والتكامل بين مختلف الوزارات والجهات الحكومية لكي تكون تحركاتها بما يستهدف خفض البطالة وعلى رأسها المرونة والتغيير المطلوب بالسياسة المالية لتكون توسعية بالقدر المناسب وبما يولد فرص عمل واستثمار مع اهمية مراجعة أي تأثيرات قد تعيق تحريك عجلة الاقتصاد من جديد وتأجيل أي برامج قد تؤثر على التكاليف العامة أو تقلل من فرص النمو فكلما تأخر الخروج من النمو الاقتصادي الضعيف أو الركود فإن التكاليف ترتفع أكثر على الاقتصاد ويتأخر تحقيق أهداف تنموية من الضروري تنفيذها بزمنها المناسب لكي تكون الطاقة الاستيعابية بالاقتصاد مرتفعة وتفوق الطلب وأيضًا حتى لا ترتفع تكاليف الإعانات الاجتماعية على الدولة مع تزايد معدلات البطالة والتراجع بحجم الطبقة المتوسطة. التحديات الاقتصادية ليست بسيطة أمام الاقتصاد الوطني ولكن المطمئن هو وجود عناصر قوة كبيرة متوافرة فيه كالاحتياطيات المالية الضخمة والدين العام المنخفض جدًا عند 13 في المائة من حجم الناتج المحلي ووجود إمكانات عديدة يمكن باستثمارها العودة لمعدلات نمو اقتصادي جيدة وامتصاص العاطلين عن العمل بوظائف مجزية ومستدامة.