تحدد الدول أهدافًا عديدة في خططها التنموية كخفض البطالة والتضخم المستهدف والعديد من الأهداف التي تعبر بالمحصلة عن النمو الإجمالي بالناتج المحلي الذي يتم وضع تقدير له لسنوات قادمة ويلبي الاحتياجات الفعلية للاقتصاد والمجتمع عمومًا وعادة ما تؤخذ معايير عديدة بتحديد النمو الإجمالي المستهدف ومن أهمها أن يكون أعلى من النمو السكاني حتى يكون الفائض بإنتاج السلع مغطيًا للطلب عليها مع إمكانية تصدير الفائض إضافة إلى النمو بالوظائف لتبقى معدلات البطالة منخفضة إلا أنه بمراجعة ما حققه الاقتصاد المحلي بالنصف الأول من هذا العام وفق الاحصاءات الرسمية فقد بلغ 1.5 في المائة كأقل معدل نمو منذ ثلاثة أعوام لكن التراجع القوي كان بانكماش نمو القطاع غير النفطي مما يوضح آثار تراجع الإنفاق الحكومي على المشروعات الذي كان طيلة السنوات العشر الماضية هو من يقود قاطرة النمو بالاقتصاد وما يبرر التراجع بالإنفاق هو تراجع إيرادات البترول وخطط الحكومة لتقليص العجز بالموازنة الذي قدر عند 326 مليار ريال لهذا العام وقد تكون كل الإجراءات المتخذة لضبط الإنفاق وترشيده كافية لتعطي نتائج جيدة بنهاية العام على مستوى تقييم الأداء الحكومي لاحتواء آثار تراجع أسعار النفط وتقليص تغطية العجز من الاحتياطيات، لكن على الجانب الآخر فإن الحفاظ على معدلات نمو مناسبة في ظل الظروف العامة للاقتصاد العالمي وكذلك الأحداث الجيوسياسية بالمنطقة له فوائد كبيرة تظهر انعكاساتها الإيجابية ليس بوقتنا الحالي فقط بل في السنوات القادمة عندما يعود النمو بوتيرة أفضل للاقتصاد االعالمي الذي سيرفع أسعار النفط إضافة إلى النتائج المنتظرة ببداية انطلاق برنامج التحول الوطني حتى عام 2020م لكن ما غاب عن الساحة الاقتصادية هو صوت وزارة الاقتصاد والتخطيط التي تشرف على وضع الخطط الاقتصادية فأبسط ما ينتظر منها أن تعلن عن رقم النمو المستهدف بالاقتصاد لهذا العام والأعوام القادمة وعلى أقل تقدير حتى نهاية تنفيذ برنامج التحول الوطني، فمن المهم أن يتم تحديد معدلات النمو المطلوبة للاقتصاد من قبل الجهة المعنية بالتخطيط للاقتصاد الوطني حتى يكون الحراك الاقتصادي نشطًا بالحجم المطلوب لتجاوز الأزمة الاقتصادية العالمية الحالية وأيضًا ضرورة توضيح القطاعات المستهدفة بالنمو لكي يكون أفقيًا وواسعًا بتأثيره على أهم القطاعات التي تنعكس بأدائها على بقية الأنشطة الاقتصادية فما يلاحظ هو تراجع كبير بقطاعات شكلت الثقل الأكبر بالاقتصاد لسنوات كالمقاولات الذي بات أكبر من يشطب الوظائف بعد أن كان الأكثر توظيفًا واستحوذًا على قرابة 50 في المائة من العاملين بالقطاع الخاص من مواطنين ووافدين حيث تراجع حجم العقود الجديدة وفق تقرير للبنك الأهلي بحوالي النصف عن العام السابق بل بدأت تظهر مصاعب كبيرة تواجه تسديد مستحقات منشآت القطاع لعمالتها أو مورديها مع تأخر صرف المستخلصات بحسب ما يذكره عديد من ملاك شركات المقاولات وكذلك لجان المقاولين بالغرف التجارية عمومًا لكن الهبوط الكبير بحجم المشروعات الجديدة سيكون له أثر كبير بتراجع حجم القطاع بنسبة كبيرة خلال أعوام قليلة جدًا ولذلك تأثير على بقية الأنشطة التجارية كالتجزئة الذي يعد أيضًا من أهم القطاعات بالاقتصاد وثاني أكبر موظف فيه فعدم وضوح الرقم المستهدف للنمو الاقتصادي وآليات تحريك وتنشيط الاقتصاد بما يمكن أن يتم من خلالها احتواء التحول من الاعتماد الكبير على الإنفاق الحكومي نتيجة انتهاء أغلب المشروعات أو ترسيتها وتقلص الحاجة للمزيد منها مستقبلاً مع تأثير تراجع أسعار النفط، أدى بالمحصلة إلى تراجع حاد بالنمو الاقتصادي وتباطؤ شديد بالقطاع الخاص وموجة من خروج مستثمرين بمختلف مستوياتهم من السوق وجمود بقطاع العقار حيث تراجعت الصفقات وأحجام التداول فيه بنسب كبيرة، وعلى الجانب الآخر لثاني أهم قناة استثمارية وهي السوق المالية حيث يظهر عليها أثر انخفاض النمو وعدم وجود وضوح لأي رقم مستهدف لهذا العام فقد تراجع مؤشر سوق الأسهم بحوالي 14 في المائة منذ بداية العام وتقلصت أحجام التداول لنسب لم نراها منذ حوالي ستة أو سبعة أعوام حيث تبلغ أحجام التداول حاليًا بالمتوسط عند ملياري ريال تقريبًا في ظل وجود فرص ممتازة من حيث العائد والمكررات لكن العزوف عن تلك الفرص له مدلولات اقتصادية اعمق من النظرة للتقييم المالي لشركة مهما كانت مغرية فالمستثمر يبحث عن التقييم المستقبلي وفي ظل تراجع الأرباح نتيجة لتراجع النمو الاقتصادي فإنه سينظر إلى الخطط والإجراءات الرسمية التي تتخذ لتحريك العجلة الاقتصادية بوتيرة أسرع من الحالية إن وضع أرقام نمو إجمالي للاقتصاد أمر في غاية الأهمية للاسترشاد من خلاله على حجم النشاط المتوقع وأين سيكون التركز من بين القطاعات وهو ما يتطلب إيضاحات منذ بداية العام المالي والتحديث المستمر بمعدل شهري أو فصلي للأوضاع الاقتصادية وهل تسير باتجاه تحقيق الأرقام المستهدفة والانعكاسات على المؤشرات الاقتصادية الرئيسة وأهمها البطالة والتضخم حتى تبقى أحجام الاستثمار بالاقتصاد وسهولة الأعمال تسير بشكل طبيعي دون قلق أو حذر في ظل توفر كافة المعلومات المطلوبة للأسواق والقطاع الخاص والمستثمرين بكافة المجالات بما فيها الإجراءات المتخذة أو التي يمكن اللجوء لها عند الضرورة لتحفيز النشاط الاقتصادي وتحقيقه للأرقام التقديرية المستهدفة.