كان يضحك كثيراً على نفسه، لا يعرفون أن ما يضحكه ذاكرته التي تعيده لزمن الطفولة ثم تقذفه في ماضيه القريب، على سرير خيبات الأمل، في مستشفى المجانين. كان طفلاً صغيراً، ينتهز الفرصة لسبات البيت فيلعب ب«موكيت» البيت. كان يتخذ منه بيتاً أشبه ببيت ضبع مهجور، وأحياناً يسدحها ثم يضع فوقها الملاعق والسكاكين والقطن وعود الأسنان. فيقلب منزله لغرفة عمليات!، يسرق قفاز أمه ويتلثم بخمارها! ويرتدي بشت أبيه فيتخيل أنه الطبيب الجراح الذي يداوي الجروح! ومرات يستهويه الخلط بين المركبات الكيميائية ويبدأ يلاحظ التفاعلات!... نهاية اللعبة تلطمه أمه على فوضويتته. كبر الفتى وكبرت معه أحلامه، سعى لتحقيق حلم كان ملازمه منذ الصغر، دخل كلية العلوم الطبية قسم المختبرات، لقي مفتاحه أكبر من أبواب الحياة الجامعية، الدكتور المتغطرس، والمحاضر الفاشل في إيصال مقرره للطلاب إلى آخره من تلك العوائق، ظل يسبح في أوراق أُحادية اللون والتصميم ومبعثرة، بعد ما كان يسبح بانتظام وهدوء في أحلامه.. ثابر وجاهد ولكن كان الودود الولود في حمل المواد.. شكى لصديقه ما جرى مبدياً رغبته في التحول لكلية الآداب أو كلية الإعلام الطالب: يا صديقي لقد كنت أحمل طموحي على ظهري ولكن الكلية قسمت ظهري، فقاومت، فرزحتني المقررات، ثم هشمني الدكاترة. الصديق: لماذا حملت المواد؟ الطالب: أنا أدرس وأفهم مواضيع المقرر جيداً ولكن لا أعرف كيف أجيب! العجيب أن من هم دون مستواي ناجحين! الصديق: هل تغش؟ الطالب: لا الصديق: غش مع الغشاشين، أقم علاقة ودية مع الدكاترة. مارس النفاق والمصلحة، اهدهم هدايا. الطالب: ؟!! قال كلاماً كثيراً حول كيفية النجاح في مجتمعنا، ولكن كل هذه الكيفيات لم تعجب الطالب المسكين؛ يحب أن يأخذ كل شيء بجدارة دون فضل من أحد. في آخر اختبار، حمل حقيبته ثم خرج من الكلية، التفت على واجهتها الأمامية ثم واصل المسير، تفاجأ بأن الكلية لطمته، تعثر ثم انساب لفتحات المجاري. وجده عامل الصرف الصحي في صهريج المياه ثم اتخذت فيه الجهات المعنية إجراء يقضي بسجنه في شهار!