قلت للصبح هذا الذي يشبه في برودته, وجماله كوزا من "الآيسكريم" إنها في مثلك كانت تجلس هناك على الأرجوحة الوثيرة تحت السنديانة الوارفة, تدلق شالها القرمزي من رأسها عليها, فيلف جسدها الناحل, لا ينسل منه غير كفها, يمسك كوب الشاي المنعنع الذي تحب, تحلق أبخرته ممتزجة بأنفاسها, تصَّاعد إلى الأبعد أجنحة بيضاء دافئة, أودِّعها فتجيبني وأنا في طريقي للمدرسة: "أودعتك عند الله نظر عيني", فأمضي مفعمة بدعائها, ورتل كتبي في حقيبتي, إلا دفتر أفكاري, قد كنت أقبض عليه بقلق أن ينزلق مني,.. قلت للصبح رويدك, فيك اليوم وجهها, دعني أتأملك أكثر!.......... حين غزا الشيب مفرقها سألتها ما الذي هنا..؟ خطوط بيضاء كقلبك, قالت مازحة, "كالذين بداخله", ابتسمت وقد فهمت أننا نحن, أنا وإخوتي عندها بيض كالحليب المصنوع منه كوز "الآيسكريم", والصبح!! آها, إذن نحن إما شيبك, أو حليبك ..؟! ضحكت نوارة طويلا, وتنتشر حولي الآن إشراقاتها.. يومها أدركت أنني في الغد بعد تلك الليلة لن أستيقظ باكرا, لكنها ذكرتني بوجبة التأرجح في الصبح معها قبل المدرسة, وكنت أحب الصبح, وأرجوحتها, وكوب شايها المنعنع, ولا أفوِّت دفء البرد بجوارها.. صبح هذا اليوم الذي جاءني بها, حلقت عصافيري الكثيرة حول النافذة, شعرت أنها ترجف من برده, أحضرت شالها القرمزي الذي بقي معي لأدفئها, لكن كيف؟! لا أدري, هي فقط حضرت بحنوها ودفئها, فتحتُ النافذة المطلة على ساحة العصافير تلتقم حبوبها, لكن العصافير طارت, تنبهت إلى أن العصافير تفزع سريعا, كما يفزع من فقد أمه!!..... في لمحة النسمات المثلجة تدفقت إلى الحجرة, لفحتني بصقيعها, غمست كلي داخل شالها, وذهبت أمرجح ذاكرتي بصباحاتها التي غمرني هذا الصبح بحضورها المفعم !!.. نوَّارة ..نوَّارة..