حضرت في الملتقى الثقافي الذي يديره مشكورًا الدكتور سعد البازعي، محاضرة عن أطروحة الدكتوراه للدكتور عبد الله المطيري ( الآخر في التربية: العنف، الاغتراب، والضيافة الحوارية في علاقة المعلم بالطالب)، وتحدث فيها الدكتور عبد الله المطيري عن علاقة المعلم بالطالب من منظور أخلاقي. وكيف أن التجربة السعودية في التعليم قائمة على الأغلب أنّ المعلم هو المثال الذي يجب أن يحتذى به، وعلى المعلم أن يقوم بدور القائد الذي يلغي كيان الطالب / الآخر. كما طرح أفقًا بديلاً لأخلاق علاقة المعلم بالطالب، وأسماه الضيافة الحوارية، وتحدث عن المعلم المضياف الذي يتعامل مع طالبه كأنه ضيف لديه، فيمنحه مساحته ولا يحاول أن يحوّله إلى شبيه له. ما قدمه الدكتور عبد الله كان جميلاً ومختلفًا، ويلامس حاجة المجتمع من منظور تعليمي وتربوي. وقد خرجت من المحاضرة وأنا كلي حنين لمعلمتي الأستاذة ليلى مروة، والتي درّستني اللغة العربية في المرحلة الثانوية في مدارس الرواد. لم أكن أملك التحليل الفلسفي الذي يجعلني أعرف علاقتي المختلفة بها، فهي كما ينطبق عليها ما يصفه الدكتور عبد الله المطيري عن المعلمة المضيافة. لم أشعر يومًا بفوقية المعلم القائد لدى الأستاذة ليلى، وكانت المساحة التي تمنحها لي خارج إطار المنهج واسعة، كنت أرسل إليها ما أكتبه فتصحح أخطائي النحوية بخفة، وتترك لي تعليقات مفتوحة الأفق لأعيد نسج حروفي مرات ومرات، كنت أستمتع ونحن نتحاور بالفصحى، وأشعر أنها تمنحني مكانًا آخر أحلم به، ورغم اختلاف توجهاتنا إلا أن المساحة الخاصة بي محفوظة دون سعي منها أن أتبنى طريقها. لغتها العربية الفصحى، هدوءها الحاضر بعمق، حركة يديها التي تنساب بخفة مع كلماتها، لم تختف من ذاكرتي بعد كل الأعوام التي مضت خارج أسوار المدرسة. فحينما أشعر أنني أتحدث بثقة وانسيابية، كنت أشعر بيدها تربت على كتفي وتبتسم. وبعد أعوام طويلة من الغياب، أسميت ابنتي ليلى، اسمها. لأنني أود أن أحكي لصغيرتي يوماً ما عنها، ولأنني أشعر بالتقصير لأنني لم أتواصل معها بعد تخرجي من المدرسة كما يجب. وإنْ كانت محاضرة الدكتور عبد الله المطيري أحيت حكاية هذا الاسم مرة أخرى داخلي، إلا أنها جعلتني أتساءل.. هل تطّلع وزارة التعليم على بحوث الطلاب العائدين من الابتعاث والتي كانت مختصة بالتربية والتعليم، وتقوم بدراستها واستثمار نتائجها بما يطور التعليم ويزهو به؟!