نبّه فقيه متخصص إلى أنه لا يجوز إنشاء الصناديق القبلية التي تخالف في شروطها الحكم الشرعي، وأما إنشاء صناديق تبرع، لا إلزام فيها ولا محذور شرعيًّا فيها، أو صناديق تعين على إنفاذ الحكم الشرعي، فلا بأس بها {... إِنِ الْحُكْمُ إِلاَّ لِلّهِ أَمَرَ أَلاَّ تَعْبُدُواْ إِلاَّ إِيَّاهُ ذَلِكَ الدِّينُ الْقَيِّمُ وَلَكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لاَ يَعْلَمُونَ}. وبيَّن الدكتور محمد بن سعد الهليل العصيمي أستاذ الدراسات الفقهية بكلية الشريعة بجامعة أم القرى جواز الصناديق القبلية التي تجمع لأعضاء الصندوق ومن أدخلوهم معهم عند حدوث نوائب الدهر المتفق عليها أو المتعارف عليها بينهم، أو ما رضي به جميع الأعضاء، أو وكلوهم بالتصرف فيه؛ ودليل ذلك وفق ما جاء في الصحيحين عن أبي موسى رضي الله عنه، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: « إنَّ الأشْعَرِيِّينَ إِذَا أرْمَلُوا في الغَزْوِ، أَوْ قَلَّ طَعَامُ عِيَالِهِمْ بالمَديِنَةِ، جَمَعُوا مَا كَانَ عِنْدَهُمْ في ثَوْبٍ وَاحِدٍ، ثُمَّ اقْتَسَمُوهُ بَيْنَهُمْ في إنَاءٍ وَاحدٍ بالسَّوِيَّةِ؛ فَهُمْ مِنِّي وَأنَا مِنْهُمْ». وأشار د. محمد العصيمي إلى شريطة أن لا يترتب على ذلك ترك واجب، كترك ما يجب على العاقلة دفعه شرعًا لمن لم يشارك معهم في الصندوق، أو فعل محذور شرعي، كإلزام الناس أو القبيلة أو أعضاء الصندوق أو غير الأعضاء بما لا يلزمهم شرعًا، كإلزامهم بالدفع عن من تلفت سيارته بالتعويض من الصندوق من غير طيب نفس من الأعضاء، والذي يلزم العاقلة (الرجال البالغون أولو اليسار الأدنى فالأدنى) دفعه عوض الجناية الخطأ وشبه العمد لا العمد، وذلك في النفس، أو أعضاء البدن، أو منافع أعضاء البدن كالسمع والبصر، أو الجروح في البدن فقط. هذه الأربع، وما عدا ذلك من الجنايات فالمشاركة أو الدفع عن الجاني من الإحسان المستحب إذا لم يكن عونًا له على الإثم والعدوان. مؤكدًا أن هذا يعتبر من التأمين التعاوني الذي لا إلزام فيه بغير شرع الله تعالى، ولا محذور فيه شرعًا، وأما إذا كان التأمين يؤخذ من أموال الناس قهرًا من غير طيب نفس منهم، أو يلزمون بالدفع فيما لا يجب عليهم دفعه، أو ترك ما يجب عليهم شرعًا دفعه، فهذا مضادة لله تعالى في شرعه وحكمه، وسواء كان ذلك للشخص نفسه فإنه يعتبر من الغرر المحرم، كمن قيل له: ادفع كل يوم خمسة ريالات وإذا حصل لك حادث أو مرض فعلينا ما يترتب عليك من العوض (المال)، وكل معاملة تدور بين الغنم والغرم في أصل المال لا في ربحه فهي غرر، أو كان ذلك بينه وبين غيره؛ لما يترتب على ذلك من أكل أموال الناس بالباطل. وعلى هذا فمن أُجبر على تأمين في شركة، وأُخذت من ماله، يجوز أن يأخذ من تلك الشركة بقدر ما دفعه لها، ويعتبر ذلك من مسألة الظفر بالحق؛ إذ قال - صلى الله عليه وسلم - لهند بنت عتبه لما قالت: يا رسول الله، إن أبا سفيان رجل شحيح، لا يعطيني وبنيّ ما يكفيني، فقال صلى الله عليه وسلم: «خذي ما يكفيك وبنيك بالمعروف». وشدَّد د. محمد العصيمي على ضرورة إخراج الزكاة للصناديق عند حلول الحول عليها؛ لأنها ملك معينين محصورين، إلا إذا كان الدافع لهذا الصندوق إخراج المال بنية التبرع لمن ينطبق عليه شرط الصندوق، ولو كان منهم، أشبه بمن أوقف على الفقراء والمحتاجين وهو من جملتهم، ولا رجوع له فيما أخرجه، فعند ذلك لا يكون مملوكًا لهم، وإنما تبرع به لمن يشمله شرط الصندوق وهو منهم، فلا تجب الزكاة فيه حينئذ لقوله صلى الله عليه وسلم: «ليس لنا مثل السوء، العائد في هبته، كالكلب يقيء، ثم يعود في قيئه».