يقول علماء نوويون غربيون إنهم قاموا بتقريب ساعتهم الافتراضية لحلول «نهاية العالم» بنصف دقيقة، لنكون بذلك على بُعد دقيقتين ونصف فقط عن الساعة 24، التي يفترض أن تحل فيها تلك النهاية. وحسب هؤلاء العلماء فإن العالم بات أقرب إلى كارثة شاملة بسبب مخاطر مثل الأسلحة النووية وتغير المناخ وارتفاع منسوب الشعبوية في الولاياتالمتحدة. هذا يعني من الناحية السياسية أن العالم يقف على حافة هاوية، وأن منعطفاً ما يجب أن يحدث لتلافي المخاطر والعواقب الناجمة عنها. بوصلة البدائل البديهية تشير الى اليسار الأوروبي. من ناحية، لأنه يواجه تحديات صعود «الشعبوية» في بيئته بالذات، ومن ناحية أخرى، بسبب المخاطر التي يتعرض لها وجود الاتحاد الأوروبي بعد «البريكست»، ومن ناحية ثالثة، بسبب الحاجة الى معالجة المشكلات الاقتصادية المتفاقمة في البلدان الأوروبية التي يخرج معدل الدين العام فيها عن السقف المقبول (60% من الناتج الإجمالي). وهي، بالمناسبة، أربعة أخماس الاتحاد! فهل يستطيع اليسار الأوروبي أن يكون بديلاً فعلياً؟. أتاحت الأزمة الاقتصادية العالمية (2008) فرصة تاريخية نادرة لهذا اليسار لكي يبدو قوة سياسية وفكرية بديلة. وبالفعل تمكن حزب سيريزا، بقيادة ألكسيس تسيبراس من الإمساك بالسلطة في اليونان، وتقدم حزب بوديموس ليتحول الى قوة سياسية ثالثة في اسبانيا. وفاز تحالف اليسار الايطالي بزعامة بيير لويجي برساني بغالبية مقاعد مجلس النواب. كما فاز جريمي كوربن من أقصى اليسار ليقود سفينة حزب العمال البريطاني بعيداً عن مستنقعات اليمين التي غرق فيها سلفه توني بلير. إلا أن موجة صعود اليمين المتطرف في أوروبا، بعد وقت قصير من كل ذلك، عادت لتؤكد كم كانت تلك الفرصة ضائعة بالفعل. دع عنك حقيقة أن يسار اليونان رضخ في النهاية لكل مطالب «اليمين» الأوروبي، ودع عنك حقيقة أن صعود بوديموس في اسبانيا انقلب من فرصة الى أزمة إضافية، فالواقع يقول إن السياسات الاقتصادية لليمين هي التي أخرجت الاتحاد الأوروبي من تبعات أزمة 2008. وحيثما بدد اليسار الإيطالي تفوقه، فقد بدا جيرمي كوربن مهزوما بدرجة أشد من ديفيد كاميرون رئيس الوزراء المحافظ الذي خسر استفتاء البريكست. وبينما ذهبت الشجاعة بكاميرون الى الاستقالة، فإن كوربن تمسك بمنصبه حتى بعد خسارته تأييد ثلاثة أرباع نواب حزبه في البرلمان. ليقدم بذلك دلالة على أن «اليسار» ليس أقل تمسكاً بالمناصب، من أعتى عتاة الدكتاتورية. اليوم تظهر ملامح صورة أخرى. اليسار الألماني ينتخب مارتن شولتز ليكون مرشح «الاشتراكيين الديمقراطيين» الى منصب المستشارية. بينما يتقدم بينوا أمون تطلعات اليسار الفرنسي لتولي منصب الرئاسة. يمكن لهذين المرشحين أن يُمسكا بثور المتغيرات الهائج من قرونه، على الأقل، لأنهما يمتلكان من واقعية اليمين الاقتصادية ما يكفي لتصويب حماسة اليسار السياسية. بمعنى آخر، فإنهما قد يستطيعان أن يقدما بديلاً، لليسار المتعثر في اليونان واسبانيا وبريطانيا وإيطاليا، وأن يضعا حدا لموجة الشعبوية الأوروبية، وأن يحافظا على التوازنات التي تسمح بإنقاذ الاتحاد الأوروبي من التفكك، وأن يشكلا، في الوقت نفسه، نواة صلبة لمواجهة الشعبوية بنسختها الامريكية. في الأفق الأبعد من هذا، فإن «قوتين عظميين» جديدتين قد تنشآن (الاتحاد الأوروبي والولاياتالمتحدة) لترثان كل المعاني الاستراتيجية التي تركتها «القوتان العظميان» السابقتان (الاتحاد السوفياتي والولاياتالمتحدة). ما لم يتحقق ذلك لليسار الأوروبي، مع هذين المرشحين، فانه لن تقوم له قائمة الى ما بعد الساعة 24!