لا جدال في أنّ عضو الكونجرس الأمريكي، جون لويس، يأتي في طليعة المناضلين ضد العنصرية، وذلك خلال ستينات القرن الماضي، عندما كانت أمريكا في حرب مع نفسها، وهي مرحلة قاتمة في التاريخ الأمريكي، انتهت بتوقيع الرئيس، ليندون جانسون، على قانون المساواة بين السود والبيض، في عام 1968، وهو القانون الذي كان من نتائجه فوز أول رئيس أسود، في التاريخ السياسي لأمريكا، ومع أنّ جون لويس لا يصل لمرحلة المناضلين الكبيرين، مارتن لوثر كنج، ومالكوم اكس، إلا أنه يظل رمزاً كبيراً لدى الأمريكيين السود، ولدى التيار الليبرالي عموماً، وهو شخصية رزينة ومحترمة، نالت التقدير داخل أمريكا وخارجها، وقد عانى كثيراً أيام نضاله الشبابية. ولد جون لويس في ولاية ألاباما، في عمق الجنوب الأمريكي، وألاباما تعتبر واحدة من الولايات التي انشقت عن الولاياتالمتحدة، لتشكل دولة مستقلة، في عام 1861، وذلك اعتراضاً على قرار تحرير السود من العبودية، على يد الرئيس التاريخي، ابراهام لينكولن، وكان لنشأته في تلك البيئة العنصرية دور في شحذ همته، لينضم، عندما شب عن الطوق، إلى قائمة النضال ضد قوانين الفصل العنصري، وقد لاقى في سبيل ذلك كل صنوف الإذلال، فقد سجن عشرات المرات، واعتدي عليه بالضرب مثلها، من قِبل منظمات البيض العنصرية، مثل منظمة الكلو كلس كلان، ومن قِبل الشرطة، ويعتبر الضرب الذي تعرض له في مدينة سلمى، بولاية ألاباما، في عام 1965، هو السبب الأبرز لشهرته، ودخوله التاريخ، كواحد من رموز نضال السود، وغني عن القول إنه يعتبر الشخص الوحيد، الباقي على قيد الحياة، من تلك الرموز التاريخية، وهذا ما يعطي قيمة لتصريحاته، في الحراك السياسي الأمريكي. بعدما أدى باراك أوباما القسم، كأول رئيس أمريكي أسود، في شهر يناير 2009، قال لجون لويس: «هذا يحدث بسبب نضالك يا جون»، وهذه حقيقة، فقد حصد أوباما ما زرعه مئات المناضلين الكبار، على مدى عقود، وما يهمنا هنا هو التصريح الذي أدلى به جون لويس مؤخراً، حول تشكيكه بفوز الرئيس ترمب، وإعلانه مقاطعة حفل تنصيبه رئيساً!، فقد استغل لويس حالة الجدل، التي تدور حول التدخل الروسي في الانتخابات الأمريكية، ليثير الشكوك حول فوز ترمب، مع أن الواقع هو أن تصريحات لويس ضد ترمب ليست دقيقة، ولا موضوعية، ولا تعدو كونها جزءاً من الحملة الديمقراطية، التي تستهدف ترمب، ويشارك فيها الإعلام الأمريكي، متخلياً عن دوره الحيادي، ومع أننا نتفهم موقف جون لويس كليبرالي من فوز رئيس محافظ، إلا أنه ذهب بعيداً في خصومته مع ترمب، وهذا غير مستغرب في حالة الحشد الحزبي، والحشد المضاد، الذي يشهده الحراك السياسي في أمريكا هذه الأيام، والذي من المتوقع أنّ تزداد حدته، خلال الفترة القادمة، وسنتابع كل ذلك بكل تأكيد.