يقال إن حكماء الفراعنة ورجال الدين كانوا من أوائل البشر الذين باعوا الكتب في العالم، إذ كانت الكتب تقدم في المعابد من خلال نسخ كتاب المتوفى لأسرته، وكانت الكتب توضع من الجسم في القبر لتوجيه الروح في مملكة الظلام، إذن هذه الوظيفة كانت على قدر كبير من الوفاء والتقديس، يقال إنه منذ الأربعة آلاف سنة في جبال زاغروس من بلاد ما بين النهرين، كتب قارئ لصديقة قائلاً «لقد جلب لي بالتال رسالتك وفيها أخبارك الخاصة، وكم أسعدني ذلك، لقد شعرت بأننا التقينا من خلال الرسالة، وتبادلنا الأحضان بعد قراءتها». هذه هي بهجة القراءة التي تسمح لنا بالعيش في حديث الآخرين، هذا الخلود والمتعة لا يتحقق إلا بالقراءة.. إن الكتّاب يبدون للوهلة الأولى في صفحات كتبهم متنوعين وغرباء، يجلبون لنا ذكريات غريبة ويفتحون لنا نوافذ جديدة بأساليبهم الخاصة وطرقهم وخيالاتهم المختلفة، كل الكتاّب بلا استثناء لديهم ميزة وحيدة يشتركون بها وهي قدرتهم على خلق وتوليد صور بصرية من خلال الكلمات فقط، وعلى القارئ أن يميّزها ويتعرف عليها فقط, تمّت صياغتها بأنماط تفكير مختلفة تبعاً لخلفية الكاتب وثقافته ومرجعيته.. «اللذة» هي النعيم الذي نجده حين ننسى أنفسنا في وسط صفحة، ونواصل القراءة بلا إحساس بالوقت، القراءة شأنها شأن أي شيء آخر ما لم نجد فيه بهجة، فإنه جهد لا يستحق التعب.. فمكتبتي تمنحني المتعة لأنها مكتبتي ولأنني أنا، فرغم أنها ليست كبيرة لكنها قطعة من القلب، وأعتقد أن من ضمنها 30 كتاباً أشعر من دونها أنني خاوٍ جسدياً وروحياً، هنالك دائماً بعض الأصوات والروائح والوجوه لديها القدرة على تشكيلنا وصنع نفسياتنا، إنها أشياء ترتفع عن كل ما سواها في ذاكرتنا، ذكريات منسية من زمن ولكن من المستحيل نسيانها أو تجاهلها فبدونها نتلاشى إلى العدم.. الكتب التي أحببتها ستبقى دوماً في ذاكرتي، ستبقى تلك الكتب التي شكلّت مغايرتي للآخرين جالبة لقلبي الطمأنينة مثل مخلوقات مؤمنة تجلب السكينة، أجدها في وقت يأسي ومعاناتي، فمن حق كل شخص أن يصنع مكتبته الخاصة التي تحمل عنه بعض أوزار الوقت وتعينه على الحياة، فهذه الصحبة من الكلمات قادرة على توجيهنا وتقوية عقولنا وأذهاننا وتعزيتنا. البعض يعتقد أن ثمة أشياء مفيدة أكثر من القراءة مثل العمل على تحسين الاقتصاد العالمي، وكسب الحروب، واكتشاف كواكب جديدة، لكن كل هذه الحجج ربما تقنعك للحظات، ولكن على المدى الطويل وفي أعماقنا ستفهم أن القراءة شيء مختلف تماماً.