والمدينةُ بين زاويتين تهنا والرصيفُ رفيقُ غربتنا وهذا الليل عينٌ للمسافرِ حين نامَ ولا تنامُ الشمسُ هذي البرتقالة قشَّرتها الريحُ ثم تناثرت أجزاؤها خلف المدينةِ والمدينةُ شارعان وتسعلُ خطوتي لما أمرُّ على شواهد أهلنا وعلى البيوتْ هذي التي فتحتْ لها رئةً لتنتشل المدى المرميَّ في الطرقاتِ ترسمه فضاءْ نبكي لتبكيَ غيمةٌ نبكي ونضحكُ كي يجوعَ النخل نمشي بلا أثرٍ لعرافٍ يوشوشنا بلا نجمٍ ليهديَنا قد انقطع البريد نمشي ونتركُ ظلَّنا أبناءنا ونشيلُ من أجسامنا كي يحتوينا الليل فالليل نلبسه قميصًا كي نُزوجَ عروتين بنجمتينِ ونصلحَ المعنى نرعى بكائياتنا ونسوسُها مثل القطيعِ ليعلم الأبناءُ كم كنا نسيرُ على شواهدِ أهلنا من دون أن نجرحها ودموعنا كأسٌ مهشمةٌ على الطرقاتِ تعرف ظلنا لما يجيء فتستقيمُ زجاجةً ونرمم الآن الهواءَ من الغبار ونُمسك غيمتينِ نقصُّ من هذي السماءِ لتستقري يا مدينةُ يا مدينةُ ثم نمشي ثم نمشي في اتجاه البحرِ هذا البحرُ يعرفنا ويعرف من ملامحنا التي كانت عرائسَه بنينا في صبانا قلعتين صغيرتينِ وكم رسمنا النهر بينهما كبرنا مثلما الأحزانُ في المدن القديمةِ ثم شاخ النهرُ كالشرخ الذي زاد اتساعًا كلما زاد الحنينُ أصاب ذاك الرملَ ملحُ البحرِ هاجمنا فضول الموجِ واتسع المكانُ لشارعين أنا وأنت الشارعان وبيننا تنمو البيوتُ على ذراعينا شعيراتٍ وتكبرُ من رذاذ البحر أحبك كم نما وطنٌ على خصرٍ ولم تشب البيوتُ زفيرك الموصول أنغام الكمنجةِ حين تنزفُ والخطى أوركسترا والطير ما حيت به الأشجارُ نمشي والمدينة قطعة ذهبيةٌ في صدر جنرالَ المدينة شعرة سوداءُ فوق جبين هذا العالمِ الآن المدينة والمدينةُ كالرغيف والانتظار دخان ودقت ساعة اليدِ أن سلامًا يا مدينةُ واستراحَ الشارعان - أحمد هلال