مثّلت الإصدارات وجهاً من وجوه النشر في الأندية الأدبية، فإذا تقدّم مبدع إلى نادٍ لإصدار نتاجه كلّف النادي أحد النقاد أو المتخصصين في الأدب تحكيمَ الإصدار، والنادي يفترض أن هذا الناقد على قدر المسؤولية، وهذا ما نرجوه؛ لكي يخرج أدبنا مشرّفاً، ولأن الناقد يكافَأ نظير تحكيمه الكتاب. وكثير مما تُصدرُ الأندية فائق المستوى، ولئن كان المستوى الفني محل اختلاف بين المتلقين لخضوعه للذوق الذي يختلف الناس فيه، فإن ثمة معاييرَ متفقاً عليها لا تقبل الذوق حَكَماً، منها العَروض، وأظن أن نسبة الأخطاء في العروض إلى الطباعة تجنٍّ عليها؛ فالشاعر يقدم ديوانه بصيغة Word، ويقرؤه المحكّم، وربما أتيح للشاعر مراجعته قبل طباعة نسخته النهائية. وسأستعرض عدداً من الشواهد التي وقفت فيها على كسور دون أن أذكر أسماء الشعراء أو الدواوين؛ لأن غايتي هي لفت الانتباه لهذه الظاهرة فحسب. فمما وجدتُ من الأبيات المكسورة بيت على البسيط زِيد في بداية عجزه واو أخلت بالوزن: يا من أطلتم علينا الهم والأرقا وقضيتم الليل فينا كيفما اتفقا وفي هذا الديوان نفسه قصيدة جاءت على (فعولن) منها هذه الأسطر: وكنتُ أردد في داخلي: الله واحدْ، والعمر واحدْ؛ والقلب واحدْ، ويح القبيلةْ، كيف تفسد أرواحنا، وكذلك في الديوان ذاته قصيدة على الكامل، منها: دع عنك غلواء الذين إذا خلوا للغيب فضحوا ما يكون مغيّبا وحركة ضاد (فضحوا) كسرت الوزن، ولا بد من سكونها. وفي ديوان آخر جاءت هذه القصيدة: قالت: أما زال في صندوقك الهارب أما زال من عينيك يستسقي.. ويشرب؟ ذلك الشارب! وهي أسطر لا تنضبط بتفعيلة واحدة إلا عند (ويشرب ذلك الشارب) حيث التزمت القصيدة تفعيلة الوافر (مفاعلتن) وعليها انتظم سائر القصيدة، إلا أنها تختل في بعض المواضع، مثل: وعين الفجر؟ تلك.. حبيبة طرفه الساهي وانتهت القصيدة بهذا المقطع: قالت وقالت فلم أهمس بمسمعها خشيت إذا حكيت لها حديث القلبِ تؤذيني شماتتها وفي الديوان نفسه جاءت هذه القصيدة -وهي جميلة-: فيم انتظارك؟ يا قطعة من رحيقٍ وسكّرْ كل صباح.. بأجمل طَرق تدقين بابي وتندفعين فضولاً شغوفاً فتورق من خطواتك داري وتختبرين ربطة شعريَ كعب حذائي وبين نون (تختبرين) وراءِ (ربطة) اختل الوزن. ولن أشير إلى الخلل عند (فيم) و(كل) فقبل كل كلمة منهما لا بد من حرف، لكني تجنبت ذلك خشية أن يتعلل أحد بأن الخرم (حذف أول متحرك من الوتد المجموع في مبدأ كل بيت) يدخل المتقارب الذي جاءت القصيدة على تفعيلته (فعولن)، مع أنه غير مقبول في شعر التفعيلة. وجاء في هذا الديوان أيضاً قصيدة على بحر الخفيف، منها: فتوارى قاطنو الحياة خِفافاً ورأى الهالكون حمد الثغور خطوه في مشْتَلِ الصدر يُنسي بهجة العمر وابتسام الثغور وقد ضُبطتْ كلمة (مشْتَلِ) كما أثبتُّها، ولو كانت مشاتل وسقطت الألف التي يستقيم بها الوزن لما سُكّنت الشين وفُتحت التاء. وفي ديوان ثالث جاءت مقطوعة على الخفيف، منها: لم أزل والتفاعلات تطرب نفسي عاملاً ناشطاً وفي جوِّ خاملْ و(لات) من التفاعلات زائدة على الوزن. وفي ديوان أظنه قُدّم قبل ثورة الإنترنت، قال شاعر: ومات على شفتيها الرجاء فبكت وارتداها الشجنْ وعادت تهز إليها الكفنْ وتصرخ قم وانتزع من أكف العفنْ أنفسا لم يطقها العفنْ وانتشل من سجون الوسنْ كل من كبّلوا بالوهنْ والدماء الذليلة وعلّم أولئك أن الحصى بالأكف النحيلة سوف تغدو قنابل وأن أشجارنا أترعت بالسنابل وأن في كل سنبلة مائتي ألف مقاتل ولم تنضبط القصيدة على (فعول)! هنا انتهى حجم المقالة المحدّد ولم أقل عُشر ما أريد!.