الطفل السوري الصغير, وهو ينتحب بكاءً, وفجيعةً, ورجاءً لوالده ألاّ « يتركه» ويرحل, ألاّ يخلفه وحيداً ويمضي, وهو لا يسمعه غارقاً في دمائه وبرودة جسده, هذا الطفل الذي مزق نياط القلوب بكاؤه, وعويله, ورعبه, وتوجُّسه من الفقد, وهو يضم رأس أبيه الممدد على الحاملة ميتاً, يقبِّله , يمرر يديه على جثته بارتجاف, وفزع, هذا الطفل كان يردد عبارة واحدة مضمخة بالرجفة, والدموع, والهلع: «لا تتركني بابا, لا تتركني, بابا يا الله صبرني, يا رب صبرني, يا ربي شو بدي اعمل صبرني» فانتحب من حوله وارتفعت أصوات نشيجهم.. وتلك الغرة, الطفلة التي بالكاد تقف ملتصقة بثياب أحدهم, وهو يسألها عن حالهم في سوريا فتجيبه بوضوح, وثقة من بين الأنقاض, والدمى حولها تتناثر: « الله هو الذي يريد, وهو الذي قدّر علينا هذا الابتلاء، ومتى دعوناه وصبرنا سينجينا, «اللهْ هوا اللي بدو يصير هيك», ونحن صامدون», وطفل صغير آخر يؤكد بعزيمة متناهية بأنّ « الله معنا, ولو أنه شاء أمراً آخر لما حدث لهم ما حدث, وأنّ بلاده فعلاً تدمرت لكن الله سوف يعينهم لبنائها من جديد» !! الشاهد فيما قال أطفال سوريا هو أنّ منطق الصغار في قلب الأحداث السورية ممن شاهدناهم, ووقفنا على ما قالوا سواء بتوجيه الأسئلة إليهم, أو بتصوير واقعي للحظة وقوع الحدث عليهم, وردود أفعالهم التلقائية نزامناً معه , ممن لم تتجاوز أعمارهم الست سنوات, والسبع يعبّرون بمنطق إيماني عميق, قد لا يرد على ألسنة من هو في عمر آبائهم, وأمهاتهم, وإنّ في هذا ما يؤكد أنهم ينفعلون بمخزونهم, أي أنهم تلقوا هذه المعرفة وتمكنوا من هذه المفاهيم عن تربية واعية بدور التنشئة الإيمانية الصحيحة, فانعكست سلوكاً وجدانياً يعول على الله وحده تعالى, في الوقت الذي يواجه الكبار منهم الوقائع بتفكيرهم في أبعادها, وحجم خساراتها, وفقدها, فتأتي ردود أفعالهم تربطها بأسبابها البشرية .. الذي شئت أن ألمح إليه هو أنّ وراء سلوك النماذج الثلاثة من صغار منكوبين بالفقد والدمار والشتات واليتم منذ نعومته يتضح أنه أسس على منهج صحيح, وقاعدة مكينة عرفتهم, وربطتهم بربهم, بتلقائية وجدان نقي, يلقي في النكبات, والأزمات بكل أمره إليه تعالى, .. وبهذا الدعاء الطفولي, واللجوء الفطري إليك يا الله, لا تخيب صغارهم, ولا كبارهم, أنزل عليهم غوثك, وعياذك, ونصرك, واجبرهم في مصابهم, ارفع عنهم الكربة العظمى, ونجِّهم منها يا كريم, بنصرك المؤزر.