نعايش صخب قضيتين تتعلقان بتعقيدات علاقة المجتمع بالمرأة ودور القضاء والقانون، هما قضيتا التحرش وولاية الرجل على المرأة؛ تناولت الأولى ساحة الإعلام الرسمي في الصحف المحلية والقناة الإخبارية في الأيام الماضية، وتناولت الثانية ساحة التواصل الاجتماعي على مدى أكثر من 3 شهور. وقبل ذلك تناول الإعلام قضية هروب الفتيات من عائلاتهن أثناء السفر إلى الخارج، أو حتى من منزل الأسرة لأسباب تبقى غامضة. وعلى الرغم من أنها ليست ظاهرة إلا أن بالإمكان التكهن بأنها ستتصاعد إن لم يستجد قانون يعيد للأنثى حقوقها المفتقدة. الأمر لا يتعلق بعدم معرفة التعاليم الدينية.. الأمر يتعلق بالازدواجية بين المثاليات والممارسات والاحتياجات. مر قرابة ربع قرن منذ تناولت قضية استغلال المستضعفين بمبادرتين مهمتين: الأولى بصورة محاضرة عامة «دور المرأة السعودية في التنمية» التي قدمتها للطالبات وسيدات المجتمع في جامعة الملك فيصل بالدمام ثم جامعة الملك سعود بالرياض، ونشرتها وقتها جريدة الجزيرة مشكورة على صفحة كاملة ليتلقفها كل باحث مهتم بتفعيل المرأة؛ والثانية موضوع «العنف الأسري وإساءة معاملة الأطفال»، بصورة عدة مقابلات تلفزيونية ضمن برنامج المرأة الصباحي بالقناة الأولى مع مذيعة شابة بادرت شخصية بطرح موضوع هذه الممارسة المنتشرة والمتقبلة وغير المعترف بها كخطأ مجتمعي يدعمه العرف. كان الكلام في هذين الموضوعين بالذات ذلك الفضاء الملغم ضمن المسموح، والمرفوض رسميًا واجتماعيًا الاعتراف بقسوة تداعياته ومصيرية البت فيه لمخالفته لأبسط حقوق الإِنسان. هل تغير الوضع منذ ذلك الحين؟ نعم ولا. تغير من حيث تزايد وعي المسؤولين والنخبة من أفراد المجتمع بمصيرية رفض وتغيير ما هو متقبل مجتمعيًا وضار فرديًا؛ مثل ضرب واستغلال الصغار والنساء، وبالمثل مصيرية توضيح ما هو مفروض شرعًا وما زال يرفض عرفيًا تحت تفسيرات مغالطة، مثل الفصل بين زوجين بحجة عدم تكافؤ النسب، والتماس العذر للتسامح في أضرار المنجب بمن أنجب حتى لو قتله، والصمت عن الاعتداءات المعنوية والجنسية وراء جدران البيوت. وفي الحالتين هناك عدم اتفاق على ما يعنيه المصطلحان المشار إليهما. فالتحرش يعني للبعض تعرض أنثى لتعد جنسي الطابع من رجل ما في الحيز العام. بينما يتسع في الحقيقة ليشمل تعرض أي مستضعف ذكر أو أنثى لتعد لفظي أو جسدي من متنمر قريب داخل حرمة المنزل، أو غريب في خلسة تتيحها فرصة سانحة في الشارع. وقد مرت بنا في مجلس الشورى توصية بضرورة إصدار قانون يتعلق بتجريم التحرش وتحديد عقوبة له. وعارضها البعض المتشدد على أساس أن فيها تشجيعًا لخروج المرأة والاختلاط. في الأسبوع الماضي تصاعدت رسميًا وشعبيًا الحملة ضد التحرش مركزة على توعية الطفل والمجتمع بالتصدي للمتحرشين. الحماية من التحرش وإساءة المعاملة حق لا بد أن يفرض وينفذ بالقانون. وسأتناول المزيد من القضايا الإشكالية في حوارات قادمة..