تأمل الكون يا صديقي، فهو مختلف عن ذاته، فلا تجد مخلوقاً يحقق الاكتفاء الذاتي عن بقية الموجودات، حتى في العقلية البشرية ستجد ذاك التنوع والاختلاف، الاختلاف الأدبي والفكري والعلمي، نحن نختلف في كل شيء يقول الله تعالى: { وَمِنْ آيَاتِهِ خَلْقُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَاخْتِلَافُ أَلْسِنَتِكُمْ وَأَلْوَانِكُمْ إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآيَاتٍ لِّلْعَالِمِينَ} الروم:22 و يقول تعالى: {وَاخْتِلَافِ اللَّيْلِ وَالنَّهَارِ وَمَا أَنزَلَ اللَّهُ مِنَ السَّمَاءِ مِن رِّزْقٍ فَأَحْيَا بِهِ الْأَرْضَ بَعْدَ مَوْتِهَا وَتَصْرِيفِ الرِّيَاحِ آيَاتٌ لِّقَوْمٍ يَعْقِلُونَ } الجاثية:5 ... أي أن الاختلاف سنة كونية ربانية. و لكن رغم كل هذه الاختلافات هناك شبكة تربط بين المختلفات بحيث نسميها نقاط اتفاق أو توافق أو تطابق أو تشتبه...إلى آخره. وهذه الشبكة التوافقية بين الكائنات هي ما يفرض لغة الود في الكون، فالاهتمام بنقاط الاتفاق يشعر بالطمأنينة و الانسجام . وفي العقلية البشرية والتأمل في تعامل البشر مع اطروحاتهم وآرائهم انقسموا فمنهم من هو متصالح مع نفسه ومع الآخرين سواء اتفقوا معه أو اختلفوا . ومنهم من عكس السنة الكونية وجعل الاختلاف نذير شؤم، نابذاً للآراء. لا يعير نقاط الاتفاق أي أهمية . لقد غُيِّب عنا هذا السلوك المسبب للوئام بين البشر، هناك عاملان مهمان كانا سبباً في إهمال التوافق والبحث في الاختلاف أولها: السياسة التوسعية حتى اديولوجيا الدين أو المذهب، حيث هذه الأديلوجيا المسيسة تفتك بالبشرية وتستبيح الدماء، والكل يخسر بينما السياسة تنجوا. ثانيها: الفكر الأوحد الذي لا يقبل التعددية الفكرية، غالباً ما يكون هذا الفكر الأوحد هو الفكر الديني أو العرقي، لأنه سيكون رافضاً للتعددية في مجتمع مليء بالتنوّع الفكري والثقافي، وهذا يكون صراعات وانقسامات بين مؤيّد يرى أنه فكر أصولي ديني بينما الواقع يقول أنه فكر ديني بُني على مفاهيم دينية و فتوى دينية ستتغير بتغير الزمان والمكان. وبين معارض يرى أنه لا تلزمه أفكارهم بقدر ما تعنيه أصول الدين. ومن هنا لا بد أن يتصالح الطرفان ويتفهمان لثقافة مشتركة اسمها «ثقافة الاختلاف» ثقافة الثقافة فهي أهم رابط لكل الأفكار، حيث تنص بأنه لا بد أن تعيش بآرائك وأفكارك في أمور الحياة دون المساسة بحرية الآخرين أو التعدي على القانون الرباني والنظامي. أن تُسلب أفكارك وآراءك فأنت تعيش حياة غيرك لا حياتك، فلا بد أن تكون ثقافة الثقافة هي أول نقطة من نقاط أي فكر في هذا الكون، والتي من مهامها التركيز على نقاط الاتفاق لا الاختلاف. يقول غازي القصيبي «وصلت لاقتناع راسخ و هو أن الطريق الوحيد إلى ثقافة الثقافة يمر عبر بوابة اسمها الحرية»- ثقافة الثقافة - باي باي لندن. ختاماً يا صديقي، إن اختلفنا في كل شيء فلن نختلف في إنسانيتنا، في الاحترام وحب الخير. خلق الله القواسم المشتركة بين البشر أكثر من القواسم المشتركة في الكون.