أكد الدكتور ناصر الحجيلان أن النقد الثقافي يهتم بتناول الظاهرة الاجتماعية ومن ضمنها الاختلاف بين الناس، في إطار التعرّف على السمات البشرية من خلال المنتج الثقافي والحضاري للإنسان.جاء ذلك في محاضرة نظمها نادي حائل الأدبي بعنوان «الأبعاد الثقافية للاختلاف بين الناس ومكوّنات رؤية العالم» وأدارها عبدالسلام الحميد في القاعة الثقافية في مقر النادي. وقال الحجيلان: «تنطلق هذه الورقة من حقيقة مفادها أن الناس مختلفون مصداقاً لقول الله تعالى: (وَلَوْ شَاءَ رَبُّكَ لَجَعَلَ النَّاسَ أُمَّةً وَاحِدَةً وَلا يَزَالُونَ مُخْتَلِفِينَ)، ويكمن اختلافهم في ثلاثة جوانب سيتم تناولها في هذه الورقة في محورها الأول: 1 - الجانب المظهري، 2 - الجانب العقلي، 3 - الجانب النفسي، والكشف عن الاختلافات المرتبطة بها من خلال «رؤية العالم»، والمحور الثاني هو «التشابه بين الناس» الذي يظهر في ثلاثة عوامل هي: عاملة الأبويّة، وعامل النضوج، وعامل الطفولة، والمحور الثالث وهو مناقشة مستوى العدالة في رؤية العالم وما يطرأ عليه من متغيرات، ولخّص الحجيلان مشكلة بحثه في أن بعض الناس يسعى بقصد أو من دون قصد الى إرغام الآخرين على الاتفاق معه في الرؤية ويحرص البعض على إلغاء الفروقات في الآراء والقرارات والأحكام والتصورات لدى الآخرين وتوحيد ذلك في اتجاه واحد، بل يصل الأمر الى درجة العداء لمن يختلف معهم»، وتطرق الحجيلان إلى تقسيم الفيلسوف الإغريقي أبوقراط «توفي قبل 460 ق.م» للناس من حيث أشكالهم الى أربعة أصناف: هي الأسود والأبيض والبني «القمحي» والأصفر، وربط بكل قسم مواصفات في الشعر، ولون العينيين وشكلهما ومظهر الأنف وحجم الشفتين، وربط الأمراض والعلل الجسدية وعلاجها بهذه الأصناف، وقرر أبوقراط أن العلاج لا بد أن يناسب طبيعة الجسد، ثم تطرّق المحاضر إلى رؤية العالم وعرّفها بأنها مجموعة من الافتراضات المسبقة التي نتبناها مدركين إياها أو غير مدركين لها عن أساس تكوين العالم، وهذه الفكرة هي شرح العالم وتفسيره، وأن رؤيتنا للعالم هي رؤية للحياة في هذا العالم». ورؤية العالم مرتبطة بالمكان، كما تتأثر رؤية العالم بالتنشئة الاجتماعية. وتطرّق الحجيلان إلى التشابه بين البشر، وختم محاضرته بقوله: «إن تكوين الشخصيات مرتبط بالبيئة (الثقافة) بدرجة كبيرة، والرغبة في أن يكون الناس على غرار واحد هي رغبة عاطفية طبيعية، لأننا نألف من نعرف ونميل إليه ويسهل علينا التواصل معه لأنه نموذج معروف (دوافعه وردود أفعاله)، ولكن هذه الرغبة تعني إلغاء الفروق في التكوين العقلي والجسدي والنفسي في التنشئة الاجتماعية وفي التعليم وفي التجارب وفي الخبرات، وبعبارة أخرى: إن طبيعة البشر تقتضي الاختلاف، لهذا يستحب أن ننظر إلى الاختلاف على أنّه تنوّع وثراء وليس تهديداً. ثم بدأت المداخلات و فتح الباب للحضور للإدلاء بمداخلاتهم، وقال الدكتور فهد العوني: «أشعر أنها محاضرة خرجت عن موضوعها إلى الجوانب النفسية بين الناس، وليسمح لي الدكتور ناصر بالعودة إلى الموضوع الأصلي... الاختلاف إرادة ربانية ولكن للأسف نحن المجتمع نرفض هذه الإرادة الإلهية، ما الحل الذي تراه لإخراجنا من الاختناقات الفكرية الناتجة من قبول الآخر؟ والخروج إلى الاختلاف والتعددية، ويعتبر البعض أن قبول الآخر نضوج فكري، وما هي مواصفات الناضج فكرياً؟ هل هي شهادات وخبرات؟». وأجاب الدكتور ناضر: «الجانب النفسي جزء مكون للجانب الثقافي... وعدم تقبل الآخر هو بسبب الخوف غير المبرر وغير المنطقي، والحل في التخفيف من هذا الخوف وإقناع المتخوف بعدم وجود مبرر لخوفه، ومن أهم صفات الناضج فكرياً هو من يسلم فكرياً، والشهادات والخبرات قد تكون من مواصفات النضوج إذا نجحت في إضافة تجربة إلى الذاكرة». ووصف الدكتور عبدالله البطي المحاضرة بأنها سياحة في سيكولوجيا الثقافة، وقال: «أختلف مع المهندس حسني جبر في أن المحاضرة متخصصة، وقد نجح الدكتور ناصر في تقديمها... وكنت أتمنى إبراز الجانب الديني من الاختلاف... فمجتمعنا متدين، وهناك ممارسات خاطئة في ما يتعلق بالاختلاف كالتعلق ببعض الفتاوى، وهي اجتهادات من علماء. ونعاني من عدم تقبلنا لبعضنا فكيف نتقبل الآخر؟». وأجاب الحجيلان: «عدم تقبلنا لبعضنا بعضاً بسبب الثقافة الشعبية فنحن نميل إلى من نعرف، ودورنا في التواصل أن نعرّف بأنفسنا لنزع المخاوف، وعدم إجلاس أطفالنا مع الأقارب فقط، فالأجانب في أميركا مثلاً يستمتعون بالتحدث مع من يتحدثون بغير لكنتهم لأن ثقافتهم تنادي بالمختلف، والمجتمعات لا تنجب مجتمعات صافية».