قَدَّر اليمنيون أن الفكر العنصري الذي أعاق اليمن كثيراً، سيكون من التاريخ بعد ثورة 26 سبتمبر 1962، وحَسِب كثيرون في السنوات العشر الماضية، أن الحديث عن الحوثية باعتبارها تتضمن عودة لمضامين وحقيقة الإمامة العنصرية، من باب المناكفة السياسية.. لكنه صار واضحا الآن ومن خلال قسم الولاء الذي شاهده وسمعه الناس في أكثر من مناسبة، بأن مشروع عودة الإمامة العنصرية أمر جدي عند الحوثية، وقد يكون قسم الولاء بألفاظه التي سمعها الناس جديدا بعض الشيء على تراث الإمامة الزيدية، لكن الفكرة هي ذاتها.. وحيث يصعب قبول وفهم التفكير في تجديد وبعث فكرة الإمامة الكهنوتية العنصرية في القرن الحادي والعشرين، لكن ربما لا غرابة أن يحدث ذلك التفكير في واقع مضطرب.. ليس هناك مشكلة عند بعض اليمنيين في التعبد على المذهب الزيدي، لكن الزيدية الإمامية القائمة على أساس أفضلية عنصرية هي مما يجدر باليمنيين نبذها وإقصاؤها ورفضها ومواجهتها بلا هوادة، وهذا ما يفترض أنه قد حدث منذ خمسين عاماً عند قيام ثورة سبتمبر 1962. ثورة سبتمبر 1962 لم تكن مجرد تبديل نظام ملكي بحمهوري، كما يُسطِّح الأمر كثيرون، لكن تلك الثورة كانت في حقيقتها وجوهرها وعمقها ثورة ضد عنصرية الحكم القائمة على حق إلهي حصري على نسب يدعي القداسة. عندما سُئل إبراهيم الحمدي ذات مرة، عن الملكية والجمهورية، أجاب ما يهم هو جوهر النظام وليس شكله.. وبعد أكثر من قرنين من الثورة الفرنسية، لا يلمس الناس فروقا جوهرية بين المملكة المتحدة وجمهورية فرنسا.. وكثيرا ما قلت: لو كان البدر مجرد ملك أو أمير أو سلطان أو رئيس، لكانت الثورة عليه من قبيل العبث في حالة اليمن وظروفها في منتصف القرن العشرين.. لكن مشكلة البدر أنه كان إماما وسليل إمامة تدعي الحق الإلهي العنصري الحصري.. ولعل البدر كان تقدميا على المستوى الشخصي، لكنك لن تعدم أن يأتي بعده من يعيد للإمامة سيرتها الأولى وكهنوتها وربما على نحو أسوأ مثلما تفعل الحركة الحوثية الإمامية اليوم.. ولذلك كان لا بد من 26 سبتمبر 1962.. بقي أمر مهم وهو أن النظام الذي أداره المخلوع علي عبد الله صالح كان ضحلاً وغبياً وفاسداً وخفيفاً، وهو من حيث الغباء والضحالة والفساد وعدم الشعور بالمسؤولية، لا يضاهيه شيء بما في ذلك ما كان عليه الحال قبل 1962.. الضحالة والغباء والفساد وغياب الشعور بالمسؤولية الوطنية، جعلت صالح يتحالف الآن مع الحركة الحوثية التي قاتلها كثيراً وطويلاً، وقال فيها ما لم يقل مالك في الخمر، ويعمل الآن على تمكينها من رأس البلد والشعب، على النحو الذي صار معروفا.. وحقائق الضحالة والغباء والفساد التي ميزت حكم صالح هي التي بعثت الإمامة العنصرية من مرقدها الأبدي، منذ أكثر من عشر سنوات.. قد يتساءل كثيرون، كيف للغباء والضحالة والفساد أن تبقي صالح على رأس النظام، ثلاثة وثلاثين سنة.. والجواب: كلهم بقوا، القذافي، والأسد.. ومنهم من ورَّث، ومنهم من كان في طريقه إلى التوريث.. وكلهم كي يبقى، اتبع نفس الوصفة البوليسية القامعة الفاسدة، في سبيل التأبيد والتوريث في أنظمة نشأت ثورية وجمهورية، وانتهى بها الأمر إلى أنظمة حكم بشعة وفاسدة، على تفاوت.. ولذلك كان الربيع العربي حتميا، مثلما كانت سبتمبر حتمية في حالة اليمن.. لو توقف التاريخ عند اجتياح صنعاء ومن ثَم عدن وتعز والبيضاء، لعد الحوثيون وحلفاؤهم أنفسهم أذكياء.. لكن ذلك الاجتياح وما يتمخض عنه من جور وتعسف وظلم وقتل ودمار سوف يكون بداية شوط وطني جديد حاسم في مواجهة الفكر العنصري الذي حل باليمن منذ ألف عام، ويلزم أن يكون ذلك الفكر وما يترتب عليه يوماً ما، وعسى أن يكون قريبا، من التاريخ بشكل نهائي.. وسيكون لزاماً الإجهاز عليه إلى الأبد..أقصد الإجهاز على الفكر العنصري المتخلف الجهول، وليس على «ضحاياه» من البشر، وأعني هنا معتنقيه تحديداً.. قدر الشعب اليمني وواجبه تجاوز ما صنعه بهم الغباء والجشع والضحالة والعنصرية..وكنا دائماً ولا نزال نتطلع أن يتم ذلك بأقل التكاليف.. قلنا ذلك في 2011، ونكرر ذلك الآن.. وكم كنا نتطلع أن تنجح مفاوضات الكويت.. لكن الأمر لا يزال صعبا بسبب عنت وأوهام المتغلبين على بقعة عزيزة من الوطن الغالي، بما فيها عاصمة البلاد صنعاء. ** **