نولدُ، تُزرع فينا نبتة الكراهيّة، إن كان بقرار واع من الأهل أو كرهاً تحت تأثير مجتمعات مستبدّة في تقاليدها وعاداتها وخوفها من الفرح والحياة، ثمّ يتلقّفك كلّ من حولك بأكثريّة تخشى حُبّ الحياة ولا تخشى الإعلان عن هذه الخشية، بل تتباهى بها وتحشرها تلفيقاً في صميم ثقافتنا؛ لست تدري كيف يمكن للمرء أن يحيا سليماً دون أن يلحق بنفسه وبغيره أذى وهو حامل نفسا تغلبها الكراهية وتكرهه أن يعادي أشياء تُعادل الحياة، بحيث إنك لا تستطيع أن تستغني عن هذه الأشياء دون أن تفقد الحياة نفسها؛ «عليك أن تكره الجمال، أن تكره الفن، أن تكره الضحك، اللعب، الاختلاف، العلم، العالم،...»، وقد يقولون صراحة: «عليك أن تكره الحياة وقوانينها»، «عليك أن تحبّ الموت»؛ وهكذا إذا ما قاومت بمفردك عملية الكراهية هذه ورفضتها، فإنّك مضطّرٌ للعيش في عزلة (قد) يرافقها ازدواجية في الشخصيّة بين الخفاء والعلن: فشخصيّة طبيعيّة تحبّ الحياة في السرّ وتحلم بالسعادة، وشخصيّة مضطربة اجتماعيّة. كيف تكون نفسية المرء بعد هذا الكمّ الهائلة من تعبئة الكراهية داخل قلبه؟ ما الذي نتوقعه من مجتمعات تُكره أبناءها على كراهية الحياة ومحبّة الموت؟! ألهذا يفرّط المرء بقتل نفسه في عمليات يذهب ضحيتها هو وآخرون!؟ ألهذا يقدر قلبٌ أن يقتل أخاه وأبويه؟! هل كانت تعبئات الحركات الدينيّة - السياسيّة في قيمة الانتحار - القاتل لتحقّق أهدافها إن لم تكن خميرة النفس مهيّأة لزراعة هذه السموم القاتلة؟ فأرضية هذه النفس مليئة بكره الحياة وقابلة عند أيّ تحريض للتنازل عنها تحت أيّ حجج وذرائع، كأنّها مصابة بفوبيا ضدّ الحياة. - ما هي الحجّة التي اقتنع بها انتحاري قتل أبرياء؟ كيف اقتنع بقتل نفسه؟ كيف اقتنع بقتل آخرين؟ ما هي قضيته؟ ما هي نفسيته؟ ** ما الذي يمكن أن تجنيه عليك أشجار هذه الكراهية الضاربة في القدم، الضاربة في نفسك، في مواسمها ونتائج حصادها؟ فشل بعد آخر، هزيمة بعد أخرى، انقسام يُهدّد آخر، من وضع متردٍّ إلى وضع أوهن وأخطر؛ وهكذا إلى أين؟ والدماء والخوف لم تستبدل بخارطة البلاد العربيّة بما يهب الحياة لأحيائها. فكيف يمكن الرهان على غلبة التعايش دون تحرير النفس من مخاوفها وإكراهاتها وكراهيتها، وكلّ تشويه أصابها وحبسها في فوبيا - الحياة. هذا رهان صعب ولا يمكن تحقيقه في نفوس كلّ الناس! لا نعدم الأمل إن وجد العمل، فإنّ الإصرار على تشريعات وإجراءات تُقرّ حُب الحياة والسعادة بدءاً من المدرسة وليس انتهاءً بجميع قنوات الإعلام، تعليم الفنون، الموسيقى، المسارح، السينمائيات، المنتزهات، التعايش، التنوّع، الآداب العالميّة، أن نتعلّم أكثر عن الثقافات الأخرى، عبر «عيون النحلة لا عيون الذبابة» (أن نرى الورود وليس النفايات)، كلّ ذلك بإمكانه تخفيف حالة زراعة الكراهية، من زراعة منتشرة إلى زراعة مُجرّمة قانونيّاً، ولا تعمل تحت الشمس، إنّما في السرّ، ولا تنمو إنما تنحصر حتى الانزواء إذا حاصرها القانون والتربية والتوجيه؛ فوجود قانون يجرّم القتل لم يُلغه نهائياّ، لكنه جعله في حدود الاستثناء، وكذا تجريم الكراهية، كراهية الآخر، التعدّد، كراهية اختلاف الأديان، كراهية اختلاف الأعراق (على وهم هذا الزعم)، يقدر أن يحدّ من انتشار هذه الظاهرة إلى حدود الاستثناء، وليس كحالة انتشارها اليوم. ** أنت السبب كما أنّك أنت النتيجة؛ لا غيركَ الآن يقدر أن ينزع منك هذا الغلّ المعتمل قلبك والغاشي على بصيرتك؛ أنت الحلّ ولست المشكلة فقط.