مرت قبل أيام الذكرى 26 على غزو النظام العراقي السابق في 2 أغسطس 1990 لدولة الكويت الشقيقة في انتهاك صارخ لسيادتها واستقلالها، وأدى إلى إلحاق أفدح الأضرار من قتل وتدمير ونهب وتشريد لشعب أعزل ومسالم، وذلك تحت شعارات ودعاوى قومية زائفة تخفي في طياتها نزعة قطرية محتواها الضم، الإلحاق والتوسع ومد نطاق السيطرة على الثروات النفطية للجارة الصغيرة، وتهديد الأمن والاستقرار في المنطقة، بأمل الخروج من الاختناقات الاقتصادية والاجتماعية والسياسية التي واجهها النظام العراقي نتيجة مغامراته العسكرية وتبديد معظم الثروات على بناء آلة عسكرية وأمنية ضخمة ولو كان ذلك على حساب التنمية والتقدم الاقتصادي وقوت وكرامة وحرية المواطن العراقي.وقد أدى هذا الغزو إلى توجيه ضربة قاصمة للنظام الإقليمي العربي وكشف عن شلل وضعف الجامعة العربية وعجزها عن إيجاد حل سريع وعادل للأزمة ضمن الإطار العربي، الأمر الذي خلق المبررات للقوى الدولية بسرعة التحرك لملء الفراغ الناشئ تحت شعار احترام الشرعية الدولية وقراراتها والالتزام بالقانون الدولي وضرورة ردع العدوان. ومن الواضح أن الأطراف الدولية الفاعلة والولايات المتحدة على وجه الخصوص قد تقاطعت مصالحها مع مصالح الشعب الكويتي ودول الخليج العربية في ضرورة التصدي للغزو ودحر العدوان، الأمر الذي أدى إلى إقامة التحالف الدولي الذي أخذ على عاتقه تحرير الكويت واستعادة شعبها لحريته واستقلاله من جديد. وقد عبر غزو النظام العراقي السابق لدولة الكويت عن مدى التردي الذي وصلت إليه العلاقات العربية - العربية وعجز النظام الإقليمي العربي عن تلبية متطلبات التعاون والتنمية والتكامل والأمن للأقطار العربية، الأمر الذي قوى ودفع باتجاه إحلال السياسات القطرية والتجمعات الإقليمية كبديل عن العمل العربي المشترك مما أفقد فعالية وصدقية الكثير من القرارات العربية المشتركة التي ظلت مجرد حبر على ورق، وبدلاً من الاحتماء بمظلة النظام الإقليمي العربي والجامعة العربية باعتبارها بيت العرب المشترك، أخذت الأقطار العربية تنسج علاقاتها الخارجية خصوصاً إزاء الدول الكبرى انطلاقا من حساباتها ومصالحها الخاصة. ولم يؤد غزو العراق للكويت إلى تعميق الانقسام والتفكك الأفقي بين الأقطار العربية فقط بل طال الانقسام ليصبح عمودياً شمل غالبية الشعوب العربية ونخبها وتياراتها السياسية والثقافية. وطال الضرر في الصميم القضايا العربية المركزية مثل قضية الوحدة والتضامن القومي والديمقراطية والقضية الفلسطينية التي انزوت وهمشت وذلك نتيجة انجرار القيادة الرسمية لمنظمة التحرير الفلسطينية آنذاك في تأييد السياسات العدوانية للنظام العراقي. وفي الواقع فإن أزمة الخليج الثانية لم تكن السبب الحقيقي لانهيار النظام العربي بقدر ما كانت نتيجة وثمرة لاهتزازه وإخفاقه وتفككه. متطلبات المواجهة وصد العدوان العراقي وتأمين مستلزمات الدفاع عن دول المنطقة وتحرير دولة الكويت كلف دول المنطقة كثيراً، وأدى إلى استنزاف الموارد المالية لمعظم دول مجلس التعاون وقد تحملت المملكة القسط الأكبر من تلك التكاليف، إذ بلغ ما أنفق على قطاع الأمن والدفاع في دول مجلس التعاون الخليجي بين عامي 1992م - 1997م أكثر من 175 مليار دولار وأن ما يزيد على 20 مليار دولار أنفقت على شراء السلاح وهذا ما شكل عبئاً كبيراً على موازناتها العامة وأعاق مستويات النمو الاقتصادي إلى حد بعيد. إزاء التحديات والمخاطر الإقليمية المتعاظمة أمام الدول الخليجية مهام جسيمة تتمثل في العمل على تحصين جبهتها الداخلية سياسياً واقتصادياً وأمنياً وزيادة التلاحم والانفتاح فيما بينها وبين شعوبها والعمل على صياغة مفهوم جديد للأمن والتعاون الخليجي يستفيد من تجارب ودروس المرحلة السابقة.