في رواية «حياة بنصف وجه» للروائي علوان السهيمي والصادرة عن المركز العربي ببيروت والدار البيضاء 2016 يؤكد الكاتب على حالة الصراع بين الجمال والقبح عبر بطل الرواية الذي أصيب بمرض حوّل وسامته إلى دمامة، ندرك ذلك عبر هذا الحوار الدائر بين بطل الرواية وزوجته «بدرية»: «أعتقد أنني أصبتُ بمرض، إنهم يسمّونه طبياً العصب السابع. هل تقصد مرض أبو وجه؟ نعم، انتظري لأيام فقط، وسأتحول أمامك إلى مسخ». لقد تحولت حياة البطل إلى حالة من العزلة التي لازمته بعد أن تحول نصف وجهه إلى مسخ على حد قوله، فلم يكن له من بدٍّ سوى اعتزال الأصدقاء والمجتمع والحياة برمتها، ويجلس في كهفه «غرفته» ويظل حبيساً لتفكير يتسع كل يوم ويدور في ذهنه عبر السؤال التالي: كيف يتخلص من هذه الدمامة التي أصابته. ومن هنا تتعدد الوسائل للخلاص منه، وعلى الرغم من أن فكرة الخلاص من هذا المرض موجودة إلا أن بطل الرواية لا يؤمن بقيمة العلاج المقدم إليه فيحاول أن يتعلق بأي شيء في سبيل النجاة وعودة وجهه إلى جماله. الجمال قيمة إيجابية ترفع من منسوب السعادة لدى الإنسان وبالمقابل فإن القبح يمثل القيمة السلبية التي تعطل الإنسان عن مزاولة الرصيد الحياتي وهذا ما حصل عند بطل الرواية الذي ترك كل ما حوله حتى عمله كمشرف تربوي في إدارة التعليم وركن إلى العزلة لأن ما أصابه يعتبره قبحاً ويهدم علاقته مع الآخرين. بل يعتبره تحولاً مفصلياً في حياته ومحيطه الذي يعج بالأهل والأصدقاء. فالقبح هو نقيض الجمال حيث يؤكد ذلك أمبرتو إيكو بقوله: إن القبح أكثر من مجرد نقيض للجمال، ومن هنا نجد بأن القارئ سيتعاطف كثيراً مع شخصية البطل على اعتبار أن ما أصابه لم يكن يتكئ على شيء محرم أو غير مرغوب فيه، بل إن ما أصاب بطل الرواية هو أشبه بعنصر المفاجأة الذي لا مفر منه. لقد انعكس مظهر القبح على نفسيته وشوَّه العلاقات العاطفية القريبة منه وأصبح أرشيف تلك العلاقات مترهلاً وغير جاذب، فهو يشعر أن وجهه لا يطاق حتى من أقرب الناس إليه زوجته وابنه كما نلاحظ هنا «وفجأة دخل ابني إلى الصالة وأخذ يحدق في الظلام باهتاً والدموع على خديه، لم أكن أعلم هل كان يحدِّق بي لأن وجهي ملفوف وقد تحولت إلى مسخ؟ أم لأن الظلمة تنسكب في هذه الصالة الواسعة وتفزعه؟ صرخت على أمه بأعلى صوت أملكه: «بدرية» تعالي خذي ابنك». إنها رواية تستحق أن تُقرأ ، فالحالة التي أصابت البطل هي حالة معاصرة تؤرخ للجمال والقبح بين البشرية جميعا، والذاكرة الروائية هنا تجعلنا ندرك أهمية مثل هذه الروايات التي تقدم غالباً إفرازات ما قبل هذا الجمال وما بعد هذا القبح حيث تفرز هذه الفلسفة كثيراً من التساؤلات بوصفها تساؤلات إنسانية تبرهن على ذهنية الإنسان وما الذي يجدر به عمله عندما تصيبه مثل هذه الحالة. ذلك أن الرواية تصوِّر لنا حياة البطل عبر خيوط متصلة وبلغة هادئة يختار كاتبها مدينة تبوك لأحداثها وهي المدينة الباردة جدا في الشتاء وهي بذلك تقدم لنا إنساناً بائساً من شكله وتطرح صراعاً متأزماً يعيشه البطل صراعاً بين الجمال والقبح وهو صراع يجسده البطل بين البقاء أو الموت.