أخذنا نشهد ومنذ مطلع الثمانينيات ظاهرة استخدام العنف لتحقيق أهداف وأغراض سياسية مباشرة تستهدف الإطاحة بالنظم القائمة، وفي معظم هذه التحركات كانت جماعات الإسلام السياسي التي تتصدر هذه العمليات، والتي بلغت ذروتها بظهور وامتداد التنظيمات الإرهابية كداعش والقاعدة والنصرة وأمثالهم. والسؤال الذي يطرح نفسه هنا لماذا اتسعت موجات العنف والتطرف في المجتمعات العربية ولم تصدرت الجماعات الإسلامية وأخذت زمام المبادرة الجماهيرية في التصدي للأنظمة على امتداد المنطقة العربية التي باتت عرضة لسايكس - بيكو 2 أي تقسيم المقسم وتجزئة المجزأ وذلك على أسس مذهبية واثنية ومناطقية؟ يمكننا القول: إن هنالك عدة عوامل ساعدت على ذلك: أولاً: الظروف الاقتصادية والاجتماعية الصعبة وتفشي الفقر والبطالة وبخاصة بين الشباب الذين يشكلون أكثر من 60% من إجمالي سكان العالم العربي، وانصياع الحكومات العربية لنصائح صندوق النقد الدولي وشروط العولمة مما أدى إلى تقليص الاتفاق الحكومي العام ورفع الدعم عن السلع الأساسية وتجميد الأجور وتدهور فرص العمل والتعليم والخدمات الذي مس وأثر في القطاعات والفئات الشعبية وعمق الفوارق الاجتماعية والطبقية وولد حالة من الإحباط واليأس والخوف من المستقبل، خصوصا مع تعثر مشروعات التنمية وغياب عدالة التوزيع وتفشي الفساد وتنامي الإحساس العام بالظلم والحرمان. ثانياً: العنف السياسي الذي مارسته النظم العربية التي تميزت بالمركزية الشديدة والسلطوية والاستبدادية سياسياً وأمنياً وأصبح العنف أو التهديد باستخدامه سياسة رسمية الأمر الذي أعطى دوراً استثنائياً لأجهزة السلطة المختلفة في قمع وإرهاب الناس والتدخل في حرياتهم الشخصية ونمط تفكيرهم وممارستهم. ثالثاً: فشل السياسات والمشاريع الليبرالية والقومية والتقليدية والاشتراكية التي طرحتها التيارات والنخب الممثلة لها نظراً لعدم استيعابها الواقع وتحدياته ومتطلبات وهموم ومشكلات الناس الفعلية ولم يتحقق في الواقع أي من الشعارات الكبرى التي رفعتها الأنظمة العربية، ومع أن الجماهير العربية نزلت إلى الشوارع في العديد من الأقطار العربية في ما يعرف «بالربيع العربي» رافعة شعارات الحرية والعدالة والكرامة الإنسانية، غير أنه سرعان ما جرى الالتفاف عليها وإجهاضها من قبل القوى المتنفذة والتيارات الإسلامية المتطرفة. رابعاً: غياب التقاليد الديمقراطية التي تسمح بإمكانية التغير والتطوير باستخدام الوسائل السياسية السلمية الأمر الذي جعل العنف هو البديل المتاح سواء من قبل الجماهير التواقة للتغير أو من قبل السلطة السياسية التي ظنت بأن آلتها الأمنية كفيلة بشل وإنهاء أي معارضة شرعية أو غير شرعية مما أدى إلى ضمور وغياب منظمات ومؤسسات المجتمع المدني، مما خلق الظروف المواتية لانبثاق أعمال وأشكال التطرف والممارسات العنيفة التي تقوم بها القوى والجماعات المعارضة. خامساً: السياسات الإعلامية والتعليمية والثقافية القاصرة عملت على خلق أجيال لها رؤية واحدة ونمط تفكير واحد. ورفض أي آراء أخرى وتسفيهها بل وتحريمها، فحالة العنف ليست حالة فوقية أو سلطوية فقط بل هي حالة مجتمعية عامة في ظل غياب ثقافة التسامح والقبول بالآخر والمغاير وسيادة الروح والعقلية الاستبدادية القطعية والجاهزة. أخيراً نقول مع الشاعر الداغستاني الكبير رسول حمزا توف حين تساءل بمرارة من المسؤول هل هو الفرس أم الفارس؟ أم الطريق؟ وأزعم أنه كل ذلك.