في زاوية الأسبوع الماضي تحدثت عن الأسباب التي دعت رئيس الوزراء البريطاني إلى الاستفتاء بخروج بريطانيا عن الاتحاد الأوربي وما هي الأسباب التي دفعت البريطانيين إلى التصويت بالخروج طالما أن خروجها سيترتب عليه خسائر اقتصادية ضخمة سيعاني منها الاقتصاد البريطاني لعقود زمنية, وإذا كان جميع الاقتصاديين يجمعون على الخسائر الاقتصادية التي سوف تتكبدها بريطانيا من جراء الخروج, فإنني سأقوم في زاوية اليوم باستعراض أهم تلك الخسائر. من المعلوم أن مراكز القوى الاقتصادية داخل مجموعة دول الاتحاد الأوربي تتمثل في دولتين هما بريطانياوالمانيا, وبالتالي، فإن خروج بريطانيا سيعزلها اقتصادياً ويجعل المانيا هي المسيطرة على صناعة القرار الاقتصادي الأوربي. أما ما يتعلق بسعر صرف الجنيه الاسترليني, فيمثل ذلك إحدى أقسى الخسائر الاقتصادية التي ستتكدبها بريطانيا, حيث فقد الجنية أمام الدولار خلال اليوم الأول حوالي 20% من قيمته ووصل إلى سعر 1.32 وذلك لأول مرة من ثلاثة عقود زمنية, ويتوقع الاقتصاديون مزيدا من التدهور للجنية الاسترليني, حيث يتوقع الملياردير جورج سورورس أن الجنية الاسترليني قد ينخفض حتى يصل 1.15 مقابل الدولار, وهذا ما يعني فقدان الجنيه الاسترليني لمكانته بين العملات الرئيسية, وما من شك أن ذلك سيصب في صالح المارك الألماني. أيضاً من المتوقع أن يؤدي خروج بريطانيا من الاتحاد الأوربي إلى موجة من الانخفاضات في أسعار أسهم الشركات والبنوك البريطانية وذلك نتيجة لتضاؤل الفرص التي كانت متاحة لتلك الشركات والبنوك أثناء انضمام بريطانيا للاتحاد الأوربي, وذلك نتيجة لانفتاح الأسواق الأوربية أمام المنتجات البريطانية لا تتجاوز 64 مستهلكا في حين يزيد حجم السوق الأوربية عن 500 مليون مستهلك. وفي ذلك, أكدت ميركل المستشارة الألمانية بأن انفصال بريطانيا عن الاتحاد الأوربي سيعني أنه سيتم معاملتها على أنها طرف ثالث وليس لديها امكانية الوصول إلى السوق المشتركة. لقد ترتب على خروج بريطانيا من الاتحاد الأوربي, أن اتخذت حكومتي اسكتلندا وإيرلندا موقفاً متشدداً يعكس حرص هاتين الدولتين على الاستقلال عن بريطانيا والبقاء داخل أروقة الاتحاد الأوربي. وإذا ما علمنا بأن الاقتصاد البريطاني يعد خامس أكبر اقتصاد في العالم, لذا فإن التهديد الاسكتلندي والايرلندي إنما يمثل ضربة قوية للاقتصاد البريطاني. وفيما يتعلق بسوق العمل ومعدل البطالة في بريطانيا فإنه يتوقع ان يترتب على خروجها إلغاء قرابة المليون وظيفة إضافة إلى المليون وستمائة ألف عاطل عن العمل, وهو ما يعني ارتفاع نسبة البطالة إلى مستويات قياسية, حيث إن وجود بريطانيا خارج إطار الاتحاد الأوربي سيترتب عليه تراجع كبير في حجم الاستثمارات مما يترتب عليه ارتفاع نسب البطالة. وفيما يتعلق بالبنوك والمصارف المالية, فإن الانسحاب البريطاني من الاتحاد الأوربي سيترتب عليه خروج العديد من البنوك والمصارف والمؤسسات المالية التي كانت تتخذ من لندن مركزاً لها, ومن أبرز تلك البنوك مورغان ستانلي وجي بي مورغان وغولدمان ساكس, حيث يتوقع إلغاء عشرات الآلاف من الوظائف البنكية والمصرفية من جراء الانسحاب البريطاني من أوروبا الموحدة نظراً لأن تلك البنوك ستفقد خاصية المرور المرن بين دول أوروبا ولن تتكمن من تقديم خدماتها في تلك الدول على غرار ما كان في السابق وتتعاظم خسارة بريطانيا إذا ما علمنا بحجم الضرائب العالية التي يتم اقتطاعها من تلك البنوك والمصارف. وبالنسبة للقطاع العقاري في بريطانيا, فإنه يتوقع تأثره بشكل كبير من جراء الانسحاب البريطاني من أوروبا, خاصة وأن أسعار العقارات البريطانية وعلى الأخص عقارات العاصمة لندن قد وصلت أسعارها مستويات قياسية. يقول ولي العهد البريطاني تشارلز إن أسعار العقارات في لندن أصبحت لا تطاق من قبل الانجليز. وقد يؤدي خروج بريطانيا من الاتحاد الأوربي إلى حدوث فقاعة تتعرض لها العقارات اللندنية, خاصة وأن البريطانيين سيواجهون صعوبة أكثر في شراء العقارات بسبب صعوبة الحصول على قروض من البنوك في الفترة القادمة. ختاماً, أكدت موديز للتصنيف الائتماني بأن خروج بريطانيا من الاتحاد الأوربي سيترتب عليه تأثر التصنيف الائتماني السيادي البريطاني سلباً مما يتوقع معه دخول الاقتصاد البريطاني نفقا مجهولا قد تضطر الحكومة معه إقرار المزيد من السياسات والإجراءات التي سينتج عنها مزيد من الضغوط على الاقتصاد البريطاني مما ينعكس سلباً على تدفق الاستثمارات على المملكة المتحدة.