الخلاصة النهائية لمجموعة الاحصاءات القاتمة التي تجلت في أحدث إصدارات مؤشر السلام العالمي الذي أصدره «معهد الاقتصادات والسلام» مؤخرا، هي إننا نعيش في «عالم في حالة حرب» أبتلي بالصراعات والانقسامات. ففي حين لقي الآلاف حتفهم في الصراعات خلال العام الماضي، يقول المؤشر إن 59.5 مليون إنسان تحولوا إلى لاجئين أو طالبي لجوء سياسي أو مشردين داخل بلادهم خلال 2015، وهو أكبر عدد للمشردين واللاجئين في العالم منذ 60 عاما. علاوة على ذلك، وإلى جانب البعد الإنساني لهذه المآسي فإن التكلفة الاقتصادية لهذه الصراعات باتت مذهلة هي الأخرى. يقول المؤشر إن الاضطرابات السياسية والإرهاب والصراعات كبدت الاقتصاد العالمي أكثر من 13 تريليون دولار خلال العام الماضي. وكما هو متوقع فإن الشرق الأوسط وشمال إفريقيا كانت المناطق الأشد اضطرابا في العالم. وجاءت منطقة جنوب آسيا في المركز الثاني. واحتلت باكستان المركز 153 من بين 163 على مؤشر السلام العالمي حيث الدولة التي تحتل المركز الأول في القائمة هي الأكثر سلاما واستقرار والدولة التي تحتل المركز 163 والأخير هي الأشد معاناة من الحروب والاضطرابات. كما جاءت باكستان ضمن أكثر 5 دول تشهد أنشطة إرهابية على أراضيها في العالم وهي باكستانوسوريا والعراق ونيجيريا وأفغانستان. ومن الصعب أن يشعر المرء بالتفاؤل في مواجهة هذه الأرقام القاتمة. وفي ظل هذه الحقيقة التي تؤكد أن قطاعا كبيرا للغاية من الإنسانية يعيش تحت رحمة الحرب والجوع والمرض، يصبح من العدل السؤال عما يفعله المجتمع الدولي وبخاصة الدول التي تدعي احترامها للمبادئ الإنسانية من أجل مواجهة هذا الوضع المروع. الحقيقة المحزنة هي أنه سواء كانت أنظمة الحكم ديمقراطية أو ديكتاتورية، فإنها تكتفي بالكلام المعسول عن القيم الإنسانية، ثم تنظر إلى الناحية الأخرى عندما يتعلق الأمر بأهدافها الاستراتيجية. والحرب في سوريا نموذج بارز لكيفية انغماس الحكومات والجماعات المتمردة في الأعمال الوحشية ضد المدنيين، في حين يغذي اللاعبون الأجانب نيران الحرب من خلال دعم الطرف المفضل لديهم من أطراف الصراع. في الوقت نفسه فإن تباين الأهداف الجيوسياسية بين دول العالم تؤثر على الحرب ضد الجماعات المسلحة العابرة للحدود. وإذا لم يتعهد المجتمع الدولي سواء الدول المتقدمة أو تلك الدول المتضررة بشكل مباشر من الصراعات بإقامة نظام عالمي يضع الاعتبارات والقيم الإنسانية فوق الاعتبارات الجيوسياسية، ويضع الخير المشترك فوق المصالح الوطنية والطائفية الضيقة، فمن غير المحتمل أن تتغير هذه الإحصاءات الكئيبة. - افتتاحية الصحيفة