يتهافت بعض الأطباء لدينا على العمل غير متفرغين مع المستشفيات الخاصة الشهيرة، ويسعدهم تأخر مواعيد المستشفيات الحكومية بالأشهر، كي ينصحوا مرضاهم بزيارتهم في المستشفيات التي يعملون فيها ليوم أو يومين أسبوعياً، من أجل الكسب من جيوب المرضى، وتكوين ثرواتهم بعيداً عن أهم مبادئ تلك المهنة النبيلة، وهو الإنسانية! تذكرت هؤلاء وأنا أقرأ عن الطبيب المغربي، زهير الهنا، الذي يسعى لافتتاح أول عيادة في بلاده لعلاج الفقراء مجاناً، وتقديم العلاج للمحتاجين واللاجئين السوريين ومهاجري إفريقيا جنوب الصحراء في مدينة الدار البيضاء ممن لا يستطيعون دفع التكاليف المالية. ولم يكن هو الوحيد الذي يعالج الفقراء مجاناً، فقد سبقه إلى ذلك طبيب القلب المصري الشهير مجدي يعقوب، المعروف في المجال الخيري، الذي أنشأ مؤسسة خيرية عام 1995 بمسمى: تشين أوف هوب، أي سلاسل الأمل، التي عالج فيها مرضى القلب الفقراء من الدول النامية. وغيرهم كثير من الأطباء ذوي الحس الإنساني العالي. فالطبيب المغربي الهنا سافر إلى غزة لمساعدة ضحايا الحرب، وشارك في مهام طبية في سورية وأفغانستان وإثيوبيا والكونغو، وهناك من بين أطبائنا من يتهرب من الخدمة في الحد الجنوبي، لعلاج جنود الوطن الذين تَرَكُوا كل شيء خلفهم للدفاع عن تراب الوطن. هذا الطبيب المغربي يعتاش من عمليات جراحية يجريها في مستشفيات لمرضى قادرين على الدفع، أما العيادة المجانية فيقدم فيها الخدمات مجاناً للمعوزين. بمعنى أنه يعيش بما يكفيه، ولا يأخذه الطمع بعيداً، فيلهث خلف عقود المستشفيات الخاصة، ويبدأ بتحويل مرضاه من المستشفى الحكومي إلى المستشفى الخاص الذي يعمل فيه خارج أوقات الدوام. ماذا لو تخفف هذا وغيره من كونه نموذجاً قلقاً ومادياً، إلى نموذج إنساني مسؤول، ماذا لو استطاع أحدهم بإقناع الأثرياء وأصحاب المال، بالمبادرة ودعم هذه المشروعات الخيرية، بل حتى لو استقطب النجوم في مختلف المجالات، فمثلاً الدكتور مجدي يعقوب حفز حتى الفنانين التشكيليين المصريين الكبار، الذين منحوه بعض لوحاتهم كهدايا للمركز، فأعلن عن مزاد علني للوحات، دعا له رجال الأعمال المصريين وغيرهم، ممن دفع مئات الآلاف من الدولارات، ليس لقيمة اللوحة الفعلية، وإنما دعماً للمشروع الطبي الخيري. إنّ المجتمعات التي تولي العمل الخيري، والعمل التطوعي، قيمة كبرى، هي بالضرورة مجتمعات مدنية متقدمة ومتطورة.