الموت حق وكأس كلنا شاربون منه لكن يعظم الفقد عندما يكون الراحل إنساناً غالياً خدم دينه ووطنه ومواطنيه سنينا طويلة من عمره. ويكبر الألم عندما يغادرنا الغالي فجأة ونحن الذين نظنه باق بيننا لن يفارق أحداق عيوننا. *** لقد فجعنا رحيل معالي الدكتور الفاضل سليمان بن عبدالعزيز السليم رحمه الله إلى جوار ربه بعد أن قدم نضارة عمره لهذا الوطن في مواقع مهمة كوزارة التجارة ووزارة المالية وبمرحلة تنموية بالغة الأهمية، فعمل وأعطى بكل إخلاص وتفاني يسند ذلك عقل راجح وبعد نظر ودراسة لأبعاد أي قرار يتخذه رحمه الله. *** أذكر عندما كان هناك أزمة بالأسمنت.. وشحّ فيها توفره لتزايد الحركة العمرانية وقتها وعدم تغطية مصانع الأسمنت القليلة وقتها لحاجة الناس وللمشروعات الحكومية.. أذكر زرته بمكتبه وتحاورت معه حول الأزمة، وعن غضب الناس واستمع إليّ كعادته بأدب وإنصات، وعندما انتهيت تحدث إلي بكل هدوء، مشيراً إلى وجود الأزمة ومبيناً أسبابها سواء بسبب قلة إنتاج المصانع الداخلية أو صعوبة الاستيراد من الخارج وقدرة الموانىء آنذاك وغيرها، مشيراً إلى أنها مؤقتة وستنتهي قريباً مبيناً الخطوات التي تعمل عليها الوزارة داخلياً وخارجياً لطي ملف الأزمة، وعندما انتهى من حديثه قلت له - رحمه الله - لماذا لم تصرحوا عن ذلك وتردوا علينا نحن الكتاب الذين وجهنا كثيراً من اللوم للوزارة، فرد عليّ رحمه الله: لا نريد أن ندخل بجدالات مع الصحافة وننشغل بالوزارة عما سخرنا وقتنا وجهدنا له لتكون الأزمة في طي الماضي، وختم حديثه ببيت شعري جميل وهو المتذوق والقاريء للشعر ولو كان رمحاً واحداً لأتّقيته ولكنه رمح وثانٍ وثالث عليه رحمة الله. *** رغم الأعباء التي حملها طيب الله ثراه لم يغفل عن الجانب الأدبي والثقافي، فقد كان قارئاً جيداً ومحللاً اقتصادياً وحفياً باللغة العربية وآدابها وروى لي معالي الراحل د/ عبدالعزيز الخويطر أن الراحل د/ سليمان كان غيوراً على لغته العربية، وكان حفياً بها عندما يكتب، ويتكلم. رويت مرة بمقال أنني حضرت جلسة خاصة كان فيها د/ السليم مع رفيقي دربه د/ الخويطر و د/ غازي القصيبي عليهم رحمة الله مع نخبة فاضلة ودار الحوار حول بيت شعري كان الراحلان د/ الخويطر و د/ السليم يرونه جميلاً وعذباً، وكان د/ غازي يرى ضعف البيت والمبالغة فيه، والبيت الذي دار الحوار حوله وباختلاف عذب هو بيت لشاعر اندلسي يمتدح أحد أمراء الأندلس لم يبق للجور في أيامهم أثر إلا الذي بعيون الغيد من حور من قُدرّ له حضور جلسة الراحل د/ سليمان رحمه الله بمنزله سيخرج بالمتعة والفائدة وبالتقدير لجميل سجاياه وسيغادر الجلسة وقد أثري عقله من آرائه الناضجة التي كان يطرحها، رغم أنه كان يستمع أكثر لكن عندما يتحدث ويبدى الرأي تجده ملماً ودقيقاً بما حباه الله من رجاحة العقل، والبعد عن الهوى فضلاً عن تجاربه الحياتية الواسعة. وقد شرفت أخيراً منه عندما ضمتنا جلسات أعضاء الهيئة الاستشارية لكرسي د/ غازي القصيبي للدراسات الثقافية والتنموية.. هذا الكرسي الذي أنشأه عدد من محبي القصيبي بتعاون كبير من جامعة اليمامة التي احتضنت هذا الكرسي مكاناً ودعماً، وكان الراحل من أول المتحمسين والداعمين لكرسي رفيق دربه. *** وبعد: لقد كان الراحل الغالي زاهداً بالأضواء نائياً عن الإعلام.. كان يرى أن (( العمل )) هو الذي يتحدث عن نفسه ولم يكن يقول ذلك تنظيراً بل فعلاً وتطبيقاً.. وها هو الوطن أفاد مما أنجزه خلال عمله بوزارة التجارة وكيلاً وحين تسنّمها وزيراً ثم خلال توليه وزارة المالية وكثير من اللجان والمؤسسات الذي رأس مجالس إدارتها ولا يتسع المقال لتعداد ما أنجزه - بدعم الدولة - من خلال نجاحه في تنفيذ سياسة الحكومة بتوفير المواد وتذليل العقبات، والشراكة الناجحة مع رجال الأعمال، فضلاً عن انتخابات مجالس الغرف التجارية الذي بدأ العمل به خلال توليه الوزارة. اللهم ارحم عبدك سليمان السليم، اللهم أجزه خير الجزاء على ما قدمه لدينه ووطنه، اللهم افسح له بقبره اللهم إنه بجوارك يا خير من يجاور. *** * آخر دمعة * لرفيق دربه د. غازي القصيبي رحمهما الله تبارك الله نمضي كلنا زمراً نحو المنون ويبقى الواحد الأحد