يحتسي البريطانيون ما يربو على 60 مليار كوب من الشاي سنويًا، فما السر وراء ذاك الكوب البسيط الذي ينعشهم ويجددّ نشاطهم إلى هذا الحدّ؟ من الواضح أن البريطانيين يحبون نكهة الشاي، سواء كان ممزوجًا بالحليب أو بالسكر أو بالليمون أو بلا أي إضافات. فثمة شيء في مرارة الشاي الحادّة يجعل الناس يقبلون على شربه، إذ يستهلك البريطانيون 60 مليار كوب سنويًا، بحسب جمعية الشاي ومشروبات الأعشاب في المملكة المتحدة. وهذا يعني أن نصيب كل رجل وامرأة وطفل في بريطانيا العظمى أكثر من 900 كوب في السنة، وإن كان كلٌ منّا يعرف، بالتأكيد، شخصًا يشرب أكواب من الشاي أكثر من هذا العدد بكثير. لقد بات الشاي جزءًا من حياة الشعب البريطاني اليومية، يحتسونه في استراحاتهم المتواضعة أثناء يوم العمل ويستمتعون به في حفلات الشاي، وهم يرتدون الأزياء الرسمية، بالطبع الجاكيت ورابطة العنق للرجال، في أفخم فنادق لندن. ولكن ماذا عن الجزيئات التي تُكسب هذا الشراب المُحبب إلى النفس ذاك الطعم المميز؟ وهل تكشف طريقة تناولك للشاي عن أحد جوانب شخصيتك؟ وللإجابة عن هذين السؤالين، دعنا نحاول في البداية أن نكتشف ما الذي يُكسب الشاي هذا المذاق تحديدًا. إذ يتأثر مذاق الشاي بالطريقة التي يُزرع ويعالج بها، وأيضًا بطريقة تحضيره، بداية من تعرضه للضوء. وتنمو شجيرات الشاي على مدرجات في الأراضي المنحدرة في المناطق الاستوائية وشبه الاستوائية. ومن أجل الحصول على أنواع بعينها من الشاي الأخضر من الشجيرات، مثل شاي الماتشا، يتوخى المزارعون الحرص عند تظليل الشجيرات بشباك وحُصُر. فإذا تعرضت الشجيرات لضوء الشمس أقل مما هو مطلوب ستنتج نسبًا أعلى من الكلوروفيل ونسبًا أقل من بوليفينول، وهي فئة من الجزيئات المسؤولة عن إكساب الشاي هذه المرارة التي يتميز بها عن سائر المشروبات. لا شك أن البعض يستسيغ هذا المذاق المُرّ، الذي قد تزيد طريقة معالجة الشاي من حدّته. وبعد قطف الأوراق الحديثة الصغيرة والبراعم من الشجيرة، تُفرد لتجف. ويتوقف طول الفترة التي تُترك فيها الأوراق والبراعم لتجف على نوع الشاي المطلوب. فمن أجل الحصول على الشاي الأخضر، توضع الأوراق على الفور تقريبًا في قِدر ساخن أو تُعالج بالبخار، وعلى الرغم من أن الشاي سيبدو في هذه المرحلة وكأنه غير معالج على الإطلاق، إلا أنه في واقع الأمر مطهو أو على الأقل معالج بالحرارة. أما للحصول على شاي الأولونغ، فتُقطع الأوراق وتُطحن بعد أن تجف قليلًا ثم تُطهى. وللحصول على الشاي الأكثر شهرة من بين أنواع الشاي، وهو الشاي الأسود، الذي يمثل 78 في المئة من إجمالي الشاي المستهلك حول العالم، تُترك الأوراق المطحونة لتجف لفترة طويلة قبل أن توضع في قدر ساخن على درجة حرارة منخفضة لعدة ساعات. والسبب وراء تغير لون الشاي هو أنه أثناء تجفيف أوراق الشاي، تعمل الإنزيمات الموجودة في نبات الشاي بكثافة على تحويل الجزيئات البسيطة إلى جزيئات معقدة. وكلما قضى الشاي وقتًا أطول في التجفيف، عملت الإنزيمات لفترة أطول ومن ثم زادت هذه الجزيئات في أوراق الشاي. وتعد المادة الأكثر شهرة من بين المواد التي تشتمل عليها التركيبة الكيميائية لنبات الشاي، مادة الثيافلافين، وهي عبارة عن مجموعة من حلقات الكربون المتشابكة، وهذه المادة هي المسؤولة عن إضفاء اللون الأحمر الناضر على الشاي الأسود، وإكسابه بعض المرارة. ولإيقاف عملية تحويل الجزيئات البسيطة إلى جزيئات مركبة، تعالج أوراق الشاي بالحرارة، من أجل تدمير الإنزيمات. وكنتيجة لذلك، يحتوي الشاي الأخضر، على سبيل المثال، على نسبة قليلة للغاية من ثيوفلافين (وهو بوليفينول مضاد للأكسدة) والجزيئات ذات الصلة.