التمثيل الخارجي للدولة يمثل مهمة مزدوجة، تحمل في طياتها الأمانة والمسؤولية والأبعاد التنظيمية والمهمات الوطنية والأهداف المتميزة لخدمة كل ما يتعلق بالوطن في الخارج للمعني بالمهمة من المواطن والمسؤول وصاحب الرسالة. بحكم عملي وتنقلاتي في الخارج، وعلاقاتي المباشرة، وما ألمسه من سفاراتنا في الخارج، وانطلاقًا من وطنيتي ومهامي بالخارج، لمست عن قرب جودة أعمال بعض القناصل الذين يمثلون الوطن أفضل تمثيل، وقضى بعضهم ردحًا من الزمان وهم يتنقلون في بلاد الغربة؛ ليرسموا في كل دولة إنجازات جديدة، حتى أنني أقولها بكل تجرد، فقد كان بعضهم قنصلاً بمهام سفير، ودبلوماسيًّا برتبة خبير في التعامل مع قضايا الرعايا في الخارج، وفي التعاطي مع مسؤولياته بمهام مزدوجة. وقد رسم بعضهم لأنفسهم مسارات من التميز العملي، كانت بمنزلة إشادة دول الخارج قبل إعجاب المواطنين في الخارج الذي يتأملون في السفارات والقنصليات أن تكون قناة مميزة لسماع شكاواهم، وأن تكون المنبع الذي يجدون منه التعاون والألفة والمساعدة والحرص؛ فالمواطن في الخارج لا يستغني عن مسؤولي السفارات أبدًا؛ فهم واجهة الدولة، وجهة الحل الوحيدة للأمور التي يحتاج إليها، أو المعضلات التي يتعرض لها. الواقع والتحديات والمستقبل الذي رسمته الدولة تتطلب من السفارات بكل درجات مسؤوليها الاهتمام، رغم أنني وجهت - وسأظل - نقدي لبعض السفراء بالخارج؛ لاعتمادهم على القناصل في أداء مهامهم، وبُعدهم عن المشاركة الحقيقية لهم، والدور المناط بهم في المحافل الخارجية.. عليهم أن يعيدوا صياغة الأدوار المناطة بهم، وأتمنى أن يحتذى بعمل بعض القناصل الذين يعتبرون أفضل من يعمل بالخارج إذا أُخضعت المسألة للغة النتائج والمهام العملية والميدانية، وحتى لو من خلال استبيان لما يقومون به من خلال شهادات الرعايا في الخارج. في ظل توجهات الدولة وما رسمته الرؤية السعودية 2030 نحن بحاجة أمام مفترق طرق لإعادة صياغة دور مسؤولي السفارات بالخارج، وعلى السفراء والقناصل مهمات كبيرة خلال هذه الفترة، وهم أمام تحدٍّ حقيقي للنهوض وتطوير العمل والنتائج المرجوة التي دائمًا ما تحرص عليها القيادة الرشيدة في مختلف المحافل، وتعكس حرصها على متطلبات واحتياجات الرعايا السعوديين في الخارج، وحل مشكلاتهم، والتعامل مع قضاياهم، وتقديم العون لهم بمختلف أنواع الدعم. يقوم القناصل بأدوار مشرفة في الخارج من خلال ما يقدمونه بشكل دائم. وقد وقفت على وجود العديد منهم في المحافل، وتمثيل الوطن أفضل تمثيل. وأتمنى أن يحذو بعض السفراء ذلك من خلال الوجود بشكل مستمر في مناشط السفارات وفي مناسبات الدول بالخارج، وأن يتطور عمل السفارات بشكل مميز ومتزايد، وخصوصًا في ظل ارتفاع عدد السياح للخارج، وأيضًا تعدد مساحة الاستثمارات خارجيًّا، إضافة إلى ارتفاع نسب الطلاب والطالبات المبتعثين للخارج، وأيضًا وجود وطني الحبيب في كل المحافل الاقتصادية والسياسية والاجتماعية والثقافية في الخارج لإبراز دور المملكة. وأرى أن يتم رفع مستوى الأنشطة الوطنية، وتوسيع دائرة الأنشطة والمناسبات الثقافية التي تسهم في رفع اسم المملكة عاليًا، والتعريف بأدوارها وجهودها. ويوجد في السفارات بالخارج العديد من الكفاءات العملية من القناصل، الذين طوَّروا عملهم وصقلوه بالخبرات من خلال ما يقومون به من خدمات للرعايا، ومتابعة لأوضاع العمل، والوجود في المحافل. وأتمنى من القناصل المعينين حديثًا الاقتداء بهؤلاء؛ حتى نصل فعلاً إلى أن يكون مسؤولو سفاراتنا في الخارج رقمًا أول على مستويات السلك الدبلوماسي في الدول الخارجية؛ ما يعكس كفاءة الدبلوماسي السعودي، ويوظف الأهداف والخطط التي تحرص الدولة على تنفيذها وتطويرها في عمل السفارات، وحتى ينعم الرعايا السعوديون في الخارج بما يأملونه ويتمنونه من السفارات كممثل للوطن. الآمال عريضة، والأمنيات كبيرة نحو مستقبل مشرق وغد باهر للعمل الدبلوماسي وانعكاساته الإيجابية في الخارج على الوطن والمواطنين.