تعددت الظواهر الأدبية في المشهد الإبداعي السعودي، وشهدت العقود الأربعة الماضية كثيرا من الظواهر الأدبية، في مشهد حواري تقييمي يقرأ الأديب ناصر محمد العديلي أحد شهود هذه المرحلة التحولات والظواهر مركزا على طفرة الرواية السعودية وانتشارها، ويرى أن هذا الانتشار جاء بشكل طبيعي كأية تقليعة تطل على تحولات المشهد الاجتماعي. يدلي العديلي صاحب :» الزمن والشمس اللذيذة» برأيه حول بعض الأعمال الشهيرة لغازي القصيبي وتركي الحمد، ويؤكد على قيمة الممارسة النقدية التي تتابع الظاهرة الأدبية وتحولاتها. العديلي يحدد بعض القسمات والتفاصيل التي تهم بالتأكيد المتابع والقارئ العام.. وهذا نص الحوار: * تشهد الظاهرة الأدبية في المملكة خاصية تتمثل في توهج أحد الفنون لفترة بسيطة ثم يتقلص الاهتمام به بعد ذلك حدث هذا مع القصة القصيرة مع قصيدة الحداثة مع قصيدة النثر ثم حدث أخيرا مع الرواية؟ كيف تنظر لهذه الخاصية؟ - اتفق معك أستاذ عبدالله أن الظاهرة الثقافية في المملكة العربية السعودية كغيرها من الظواهر الأخرى تعاني من ما نسميه «طفه» يعاني منها أحد الفنون كالمودة ثم ينتقل إلى فن آخر .. وهذه الظاهرة تعود في تقديري إلى تحولات المجتمعات وتطورها السريع ولهاثها وراء بعض الفنون كما هو الحال في المودات، والتحولات أو ال Trends هي طبيعية في المجتمعات ويتم دراستها في المجتمعات المتقدمة وهي تشبه التقليعات الأخرى في الحياة. الأدباء والفنانون بشر كغيرهم يتبعون الجديد ويتحولون بتحولات المجتمع . فعلى سبيل المثال في منتصف السبعينات الميلادية سيطرت القصة القصيرة وركب موجتها كتاب كثر وشكلوا تياراً جميلا أسس إلى بداية حقيقية للقصة القصيرة الحديثة ساهم فيها في مطلع السبعينات كل من المرحوم إبراهيم الناصر والمرحوم عبدالله الجفري ثم ظهر جيل أكثر حداثة تمثل في كل سليمان سندي والمرحوم عبدالله السالمي ثم حسين على حسين ومحمد علوان وسباعي عثمان ولطيفة السالم، وخيريه السقاف الشملان, ثم ظهر جيلنا في منتصف السبعينات كل من فهد الخليوي وعبدالله باخشوين وجبير المليحان وأحمد باقازي ومحمد علي قدس وعبدالعزيز الصقعبي. وكان الاهتمام بنشر القصة وقتذاك من أبرز الظواهر الثقافية، ونشطت الملاحق الأدبية في مجلة اليمامة وجريدة الجزيرة وجريدة الرياض وجريدة اليوم وجريدة عكاظ وجريدة المدينة، وغيرها وللأسف لم يتزامن ذلك النشر القصصي بمتابعة نقدية دقيقة تحلل تلك القصص أو تتابعها بالشكل المطلوب، ولم نستغرب مقولة الأستاذ الشاعر عبدالكريم العودة الذي قال ما معناه «نحن جيل بلا نقاد» وهو يعني جيل المبدعين وقتذاك في القصة والشعر الحديث، وكان عبدالكريم يبدع مع كوكبة من زملائه في القصيدة الحديثه، وإن كانت القصة القصيرة أكثر فعالية وكتاب. ولم يظهر في الساحة من كتاب النقد إلا الأستاذ القاص حسين علي حسين الذي كتب عدة مقالات عن كتاب القصة الجدد وخصوصا سليمان سندي وعبدالله السالمي وسباعي أحمد عثمان حيث عرفنا على كتاباتهم وجماليات نصوصهم، وتلا ذلك الناقد المرحوم شاكر النابلسي الذي كتب دراسة نقدية أدبية عن تجارب كل من سليمان سندي وعبدالله السالمي ومحمد علوان وسباعي أحمد عثمان، ونشرها فيما بعد في دراسته عن القصة السعودية بعنوان ( المسافة بين السيف والعنق ) الصادر 1985. ثم ظهرت دراسات وكتب نقدية عن القصة السعودية الحديثة لنقاد كثر مثل د نصرباس ود. صالح الشنطي ود. منصور الحازمي وغيرهم. * هل تتفق مع مقولة: تسونامي الرواية قبل سنوات؟ وما رأيك في هذه الوفرة الروائية السعودية؟ - المجتمع السعودي مجتمع حديث التكوين توفرت له عناصر اقتصادية واجتماعية وثقافية وحضارية وتقنية في وقت واحد وتزامنت مع تطور وتحولات المجتمع في كافة مجالاته، وكما أشرت أن خطط التنمية الخمسية والعشرية واكبها تطورات اقتصادية واجتماعية وثقافية، فشهدنا في السبعينيات تطور القصة القصيرة كأبرز الفنون الثقافية، وفي الثمانينيات استكملت القصة القصيرة تطورها بظهور جيل أو كوكبه قصصية امتداد لجيل السبعينيات وبرز من جيل الثمانينيات في القصة كل من سعد الدوسري وصالح الأشقر وعبدالله الكويليت وسعود الجراد وخالد اليوسف وفهد العتيق وليلى الاحيدب وبدرية البشر وغيرهم، كما تطورت القصيدة الحديثه في الثمانينيات وبرز تيار حداثي شكل تيارا شعريا برز فيه عبدالله الصيخان ومحمد الثبيتي رحمه الله ومحمد الحربي ومحمد الدميني وهو امتداد لجيل الستينيات والسبعينيات والذي برز فيه الشعراء غازي القصيبي وناصر أبو حيمد وسعد الحميدين وأحمد الصالح ( مسافر) وعلي الدميني وعبدالكريم العودة وأحمد عائل فقيهي وغيرهم، وبروز تيار الشعر السعودي الحديث في الثمانينيات تزامن مع حركة نقدية نشطة انعكست على تعدد الندوات والأمسيات، وبرز تيار الشعر في الثمانينيات أكثر من بروز القصة القصيرة. وتميزت الثمانينيات بظهور القصيدة الحديثة، وخفتت فيما بعد بعد بروز تيار السلفية التي عكرت صفو نجاح الحركة الثقافية في الثمانينيات وظهر صراع التيارات في تلك المرحلة حتى منتصف التسعينيات، وبعدها برزت الرواية كظاهرة ثقافية عندما صدرت رواية الأديب إبراهيم الناصر حيث صدرت روايته الهامة (غيوم الخريف) كما صدر للأديب عبدالله الجفري رواية (جزء من حلم) ورواية (الحلم المطعون) ثم صدرت رواية غازي القصيبي (شقه الحرية) وجاءت تلك الرواية لتحرك المياه الثقافية الراكدة لعدة أسباب أولها أن مؤلفها هو الشاعر غازي القصيبي، وأنها جاءت بأسلوب أكثر حرية وكأنها تكسر التابو لأول مرة في البيئة الثقافية السعودية، وثالث الأسباب أنها تعتبر سيرة شخصية جريئة في محتواها رغم ضعفها الفني تقنيا حيث جاءت تقليدية الأسلوب، ثم تعددت الإصدارات الثقافية لغازي القصيبي في روايته (العصفورية) ورواية تركي الحمد (أطياف الأزقة المعتمة: العدامه والشميس والكراديب) كما صدر في هذه السنوات رواية ريحانه للقاص أحمد الدويحي، ورواية رائحة الفحم للأستاذ القاص عبدالعزيز الصقعبي. إن تسونامي الرواية السعدية جاء كحالة طبيعية لتطور التقليعات الأدبية بعد موجة القصة القصيرة والشعر وهدوء الساحة المحلية لسنوات، والانفتاح الإعلامي والتقني وزيادة الحريات وظهور الإنترنت وما تبعها من وسائل تواصل اجتماعي، وقد تزامن ذلك مع تطور فن الرواية العالمية والعربية، وقد تبارى في كتابة الرواية الكتاب السعوديون سواء كتاب قصة أو كتاب سياسيون أو كتاب جدد لم يسبق لهم تجارب قصصية أو روائية. والمتابع لتاريخ الرواية حسب إحصائية لإصدارات الرواية المحلية من عام (1990 حتى 2006) رصدها د. سحمي الهاجري يجد أنه (صدر في الفترة من 1990 إلى 1994 حوالي 20 رواية، وفي الفترة 1995 إلى 1999 حوال 59 رواية أي ضعف العدد السابق، وفي الفترة ما بين 2000 حوالي 203 رواية) المصدر (سحمي الهاجري ، جدلية المتن والشكل، 2009 ص447-466) وهذه الوفرة الروائية هي تقليعة أو مودة سوف يعمل النقد الأدبي الموضوعي على تحليلها وغربلتها وفرزها، ولن يبقى منها إلا الأعمال الروائية الحقيقية والجادة والمتكاملة في مضمونها وشكلها وتقنياتها، وفي تقديري أن سباق الرواية المحلية سباق طويل المدى، وربما لن يكون له خط نهاية ولن يصمد بالساحة الروائية المحلية إلا الكتاب الحقيقيون وهم من يفوز بالسباق الروائي، كالجياد الأصلية التي تفوز بالسباق. وأتوقع أن كتاب القصة الحقيقيين هم من سينجح بالأعمال الروائية ويخلدون أسمائهم في السنوات القادمة، (فَأَمَّا الزَّبَدُ فَيَذْهَبُ جُفَاءً وَأَمَّا مَا يَنْفَعُ النَّاسَ فَيَمْكُثُ فِي الْأَرْضِ) سورة الرعد آية 17. وأتوقع نجاح الروائيين والقصاصين إذا استمروا في العطاء الروائي وهم :عبدالله باخشوين، ورجاء عالم، عبده خال، يوسف المحيميد، خالد اليوسف، سعد الدوسري، ليلى الاحيدب، وعبدالحفيظ الشمري، وفهد العتيق عواض العصيمي، وأحمد أبو دهمان، وأميمه الخميس، بدريه البشر، وفاء العمير، ومحمد حسن علوان، وليلى الجهني. * قدم غازي القصيبي روايتين رائعتين هما: شقة الحرية ثم العصفورية ثم تراجعت الرواية عنده فنيا؟ ما السبب في رأيك؟ هل كانت مجرد تجربة منه؟ أم وضع بصمة لمجرد التسجيل في تاريخ الرواية؟ - في رأيي أن كتابة غازي القصيبي رحمه الله للرواية جاءت كنوع من الخلاص من حالة وتجربته لكتابة الرواية لم تأت من رغبة ككاتب روائي محترف ولكنه كتبها لأنه وقتذاك أثيرت العديد من الأسئلة حول الرواية السعودية وتوقفها في الكثير من الملتقيات والحوارات الثقافية التلفزيونية، وأشار غازي القصيبي في أحد حوارته عن الرواية المحلية «أنه كتب رواية شقة الحرية بعد أن رأى تردد الكثيرين عن البوح والتعبير عن ذواتهم ولاحظ انهم يبحثون عن (من يعلق الجرس) (نقلا عن د سحمي الهاجري في كتابه النقدي القيم جدلية المتن والشكل ،الطفرة الروائية في السعودية ،دار الانتشار العربي والنادي الأدبي بحائل ، 2009 ص 40). وفي أحد حوارات الروائي الطيب صالح تنبأ بأن الرواية الخليجية القادمة سوف تكتبها امرأة .. ورواية (شقة الحرية ) رواية ثرية في محتواها ، وتقليدية في شكلها وتقنياتها الروائية ، ورواية (العصفورية) اعتبرها أفضل في الأسلوب والتقنية من شقة الحرية، أما بقية روايات القصيبي الأخرى مثل (أبو شلاخ البرمائي و دنسكو ، وسلمى) روايات عادية، وأعتقد أن رواية ( الجنية) هي أجمل رواية كتبها المرحوم القصيبي، تطورت في الشكل والمضمون والتقنية، وأعتقد أن المرحوم غازي القصيبي لو قرأ في الرواية وتقنياتها وكتب الرواية منذ وقت مبكر لوجدنا روائيا آخر ينافس الروائي المرحوم عبدالرحمن منيف. لان الرواية هي تجارب تراكمية وتطور تقني وشكلي تكتسب بالوقت والتجارب والقراءات للفن الروائي العالمي المتنوع والمتطور. وبالنسبة لتجربة د. تركي الحمد، فأود أن أشير بادئ ذي بدء أن د تركي الحمد أفضل كاتب في الفكر السياسي الخليجي والعربي. أما ما يخص كتابته الروائية في أعماله الأولى ثلاثية (العدامه والشميس والكراديب) وهي الرواية التي قرأتها له فهي تكاد تشبه تجربة غازي القصيبي هي حالة خلاص من خلال تجربة ذاتية ثرية في المضمون وضعيفة في الشكل واللغة، تركي الحمد في ثلاثيته طغت الفكرة على جماليات الرواية وتقنياتها، جاءت الرواية ليوصل من خلالها الكاتب أفكاره ومواقفه، ولم ينجح كروائي فنان كما نجح سارتر من خلال مسرحياته في توصيل أفكاره في الفلسفة الوجودية والتي نجح فيها سارتر فيلسوفا وأديبا ومسرحيا متميز. الرواية ليست فكرة أو أيدلوجية تتحدث عنها من خلال سيرة وحوارات، الرواية هي فن يتكامل فيه عناصر المضمون مع اللغة والشكل والتقنية. لغة تركي الحمد فيما كتب مروايات ضعيفة ومكررة لبعض الجمل والعبارات. * هل يصلح الفكري السلبي أدبيا لتأسيس رواية كما فعل تركي الحمد في ريح الجنة؟ تمثل رواية ريح الجنة للدكتور تركي الحمد أضعف أعماله في الرواية وهي أشبه ما تكون بدراسة أو مقال صحفي تختلط فيه الحقائق بالخيال، فيها تقريرية وضعف لغوي وتقني في الأسلوب واللغة كما تجد فيها تكرار لعبارات شبيهة لعبارات وجمل وردت في أعمال سابقه للكاتب. وهذه الرواية في رأي الكثيرين ممن قرأوها وكتبوا عنها في بعض المنتديات والصفحات الأدبية تثبت بما لا يدع مجالا للشك أن تركي الحمد ليس روائيا. هناك كتاب روائيون نجحوا في كتابة روايات وثائقية أمثال ماركيز في رواية (قصة موت معلن) لأنه يتقن فن الرواية الوثائقية البوليسية والصحفية والمسرحية. وكذلك الروائي العربي صنع الله إبراهيم في روايته (اللجنة وبيروت وغيرها) يتقن التوثيق الروائي وجمالياته، لكن الكاتب تركي الحمد لم ينجح في (ريح الجنة) ليصنع منها رواية وثائقية جميلة لظاهرة جديدة لشباب يدمرون أنفسهم بحثا عن سراب. كان الموضوع جدير من أن يصنع منه رواية عربية متميزة. وتظل الرواية فن عظيم وعصي عن الفهم. * أخيرا: هل نستطيع كنقاد تمييز أساليب روائية في الرواية السعودية كما نميز في روايات شامية أو عراقية أو مصرية؟ -الرواية عمل جميل وصدى لثقافة المجتمع وشخصياته وعاداته وقيمه وبيئته، ومع أن الرواية أصبحت ديوان العرب الجديد وبزت الشعر في السنوات الأخيرة من حيث النشر والقراءة كما نرى مؤخرا، إلا انها تعتبر فن عالمي له قواعده وأسسه وفنياته وتقنياته المتنوعة والمتطورة. والرواية يشكلها الروائي وفق شخصيته وثقافته وقيمه وبيئته لهذا نجد أن الرواية هي صوت وشخصية كاتبها تنعكس عليه المؤثرات الثقافية والاجتماعية والبيئة والسياسية، فيغلب على روايات جيمس جويس الثقافة الأيرلندية، وعلى مارسيل بروست وهمنجواي الثقافة الفرنسية، ووليم فوكنر وارنست همنجواي الثقافة الأمريكية، وماركيز الثقافة الكولومبية، ونجيب محفوظ الثقافة العربية المصرية، وعلى الثقافة اليابانية ...وعبدالرحمن المنيف الثقافة العربية الشرق أوسطية (الأردن والعراق والسعودية). وحتى في روايات كتاب أمريكا الجنوبيه نميز الثقافات البرازيلية والكولومبية والارجنتينية وغيرها. كما نميز في ثقافة الرواية العربية الثقافات الجزئية في عالمنا العربي في مصر والأردن والعراق والجزائر والمغرب والسعودية والكويت والبحرين، وحتى في البلد العربي الواحد تعكس الرواية في مصر ثقافة المدينة كما في أعمال (نجيبب محفوظ القاهرة في رواية الثلاثية بين القصرين، قصر الشوق، والسكريه، وإبراهيم عبدالمجيد في رواية لا أحد ينام في الاسكندرية والمرحوم ادوارد الخراط في الاسكندرية في رواية ترابها زعفران) وروائي (الريف والقرى في مصر مثل كتابات العديد من روائي الريف المصري الكثر). والحال تبرز في الرواية السعودية روايات المدن مثل روايات عبدالله الجفري ورجاء عالم، وعبده خال، وروايات الريف مثل روايات المرحوم عبدالعزيز مشري عن الريف السعودي في الجنوب في رواياته (الحصون، وصالحه)، وروايات عبد الحفيظ الشمري في روايته فيضة الرعد، وجرف الخفايا)، عن الريف السعودي في حائل، ورواية أحمد ابو دهمان (الحزام) تعكس ريف الجنوب، وهناك روايات تعكس ثقافة الصحراء مثل روايات عواض العصيمي (قنص) وغيرها وثقافة المدن البحرية كما عند بعض الروائيين السعوديين. الرواية صدى للتعدد الثقافي والبيئي والحضاري.