في يوم الثلاثاء قبل الماضي رحل عنا إلى الدار الباقية أخي وصديقي ماجد بن سعد الباز. ماجد هو شاب ليس من أصحاب الثروات أو الأموال أوالمناصب الكبيرة أو الشهادات العلمية العالية ما يجعله من أهل الشهرة، ولكنه يمتلك شهادة (طهارة)، نعم طهارة قلب، ونقاء المعدن، وروح صادقة تسكن فؤاده. قبل عدة سنوات وقع له حادث أليم نتج عنه حروق أتت على مساحة من جسده، والتهمت جزءاً من وجهه مما جعله ملازماً السرير الأبيض مدة ليست بالقصيرة، خرج بعدها من المستشفى وهو يعاني من آثار الحروق، وما خلفته من تأثير على معالم وتقاسيم وجهه حتى أن أقرب القريبين منه لم يعرفوه إلا بنبرة صوته. بعد خروجه من المستشفى بأيام قليلة حضر مناسبة عائلية، وكان هو أول الحاضرين لها والابتسامة على محياه، نظرت إلى أخي متعجباً من حال الابتسامة التي تملأ شفتيه، وسألت نفسي هل لو كان أحد مكان ماجد سيبتسم؟ أم هل سيخرج للناس بهذه الطريقة؟ أم سيخرج عليهم ملثماً؟ لا أعتقد أن أحداً مكانه سيحضر مناسبة أو دعوة عشاء أو حتى لقاءً قصيراً، بل أكاد أجزم أن غيره سينطوي على نفسه، وينسحب عن المجتمع ويعتزل الناس ولن يظهر لهم، حتى يتم عمل جلسات تجميل وترميم وإعادة تأهيل نفسي ومعنوي. لكن ماجد خرج بنفس صابرة، وثقة عالية، وإيمان بالخالق عظيم، نعم خرج إلى الناس كما كان ماجد المؤمن الصابر المحتسب المبتسم. بالرغم من حجم التشويه الذي أصابه ولكنه ظل مشرقاً محباً للناس.. بعد هذه الحادثة بأربع سنوات تعرض لحادث بسيارته نتج عنها كسر بالساق وعدد من الكدمات أخذ وقتاً حتى شفي منها. وظل ماجد كما هو مبتسماً صابراً محباً لم يسكن التشاؤم في يوم قلبه، بل كنت أرى في عينيه ابتسامة الرضا. قبل أشهر قريبة كان يشكو من بعض الآلام في معدته من فترة لأخرى كان الألم يزداد من وقت لآخر، عانى معاناة شديدة حتى تقدم به المرض، ودخل بسببه المستشفى. الألم يزداد والوجع أنهك قوته، وأضعف جسمه. الطبيب المعالج قال: إن المرض يحتاج فحوصات أكثر ووقتاً أطول.. ماجد ظل يعاني وهو صابر متحملاً ألماً لا يتحمله أقوى الرجال وأشجعهم.. عندما أستمع إلى الطبيب أشعر بضعفي.. وعندما ألتفت لماجد أستعيد قوتي وإيماني. وصبر ماجد في كل مرة يخرج منتصراً على الألم ولكن قال له (الألم): أنت في كل مرة تنتصر علي.. دعني أنتصر لنفسي ولو لمرة واحدة، انتصر المرض هذه المرة وهي المرة الأولى . ماجد خسر من المرض، ولكنه كسب الأجر والرحمة والدعوات والمغفرة.. رحلت يا ماجد. ولكنني تعلمت منك يا ماجد جمال الروح.. تعلمت منك يا ماجد صدق الابتسامة.. تعلمت منك يا ماجد أن القلب ينبض بالفرح مهما كانت الصدمات والأزمات.. تعلمت منك يا ماجد كيف يكون الصبر.. تعلمت منك يا ماجد أن حب الناس يأتي بمقدار سماحتك وطيبتك وبساطتك.. تعلمت منك أن الحياة لا تستحق منا الغضب..تعلمت منك أن القلوب الطاهرة والنفوس العظيمة تستحق منزلة أعلى وداراً أبقى غير هذه الدنيا الفانية. مسكين من لم يمتلك أخا ًمثل ماجد... عندها. سيكون بحاجة لأن يتعلم معنى الصبر، وطهارة القلب. وسماحة النفس، وجمال الروح، وصفاء النية، وحسن الخلق، وحب الناس، وابتسامة الرضا، ويُصاحب ماجد.