إن زيادة الانشقاقات بين السوريين من اعضاء تنظيم داعش تمثل تهديدا خطيرا للتنظيم وللعمليات العسكرية التي يقوم بها في سوريا. ورغم أن غالبية قيادات داعش في سوريا من الأجانب أو العراقيين، إلا أنه يعتمد بصورة أساسية على الأعضاء السوريين في سوريا للمهام الاستخباراتية وبناء العلاقات مع المدنيين وعقد الصفقات مع العشائر وإدارة المؤسسات المهمة، بما في ذلك الضرائب، مما يتطلب فهما داخليا للجالية المحلية والجغرافيا.وتكشف قصص المنشقين عن التنظيم أنه يكافح للحفاظ على سيطرته على أعضائه. و نقلا عن منشقين عن التنظيم، هناك 5 أسباب تدفع السوريين إلى الانضمام للتنظيم: السبب الأول هو الاعتقاد الأيديولوجي الفعلي لبعض السوريين، فبعد عقود من الحكم الاستبدادي؛ انضم هؤلاء للتنظيم بسبب وعوده التي تبين زيفها فيما بعد بتقديم الأمن والازدهار والعدالة. أما السبب الثاني، فهو أن بعض السوريين ينضمون للتنظيم لأنهم إما مجرمون مطلوبون أو أعداء معتقلون للتنظيم؛ تلقوا عفوا عن أحكامهم مقابل الولاء للتنظيم، مما يجعل الانضمام للتنظيم هو الحل الوحيد لتجنب الموت الفظيع على أيدي مسلحي التنظيم. وفي بعض المناطق، أطلق داعش سراح مئات المجرمين الذين أدينوا من محاكم النظام، في حال انضمامهم كمقاتلين، كما انضم مقاتلان سابقان في الجيش السوري الحر للتنظيم بعد أن أجبرت ألويتهما على الاستسلام له، أحدهما قرب مطار دير الزور، والآخر في الحسكة، وتلقيا دورة (استتابة)، إذ قال أحدهما: لم أعتقد يوما بأفكار التنظيم، لكنني كنت عالقا ولا أستطيع الهرب وعرفت أنني سأقتل لو لم أنضم، ولذلك فضلت الانضمام ولو مؤقتا قبل الهرب. ثالثا؛ ينضم عدد كبير من السوريين للتنظيم لأسباب اقتصادية، ففي سوريا، التي تشهد أكبر نسبة بطالة في العالم العربي، يقدم تنظيم الدولة وظائف أفضل من أي بديل آخر. وبحسب وثائق رسمية لتنظيم داعش، فإن أول راتب للمقاتل هو 50 دولارا شهريا، بالإضافة ل50 أخرى للزوجة، و50 لكل والد، و35 لكل طفل، مما يجعل الرواتب تتفاوت ما بين 400 - 1200 دولار شهريا. وبالإضافة للراتب الأساسي، فإن المقاتلين يتلقون فوائد مادية عينية، منها الطعام المجاني والغاز والسكن، كما أشار مقاتلون سابقون إلى أن المتمتعين بالخبرات أو المهارات الخاصة، وغالبا ما يكونون أجانب، يتلقون رواتب أفضل. وبالمقارنة، لا يستطيع الجيش السوري الحر أن يدفع لمقاتليه أكثر من 36 دولارا شهريا، بدون هذه الحوافز؛ كما أن جيش النظام السوري يدفع 63 دولارا، وجبهة النصرة ما يقارب مئة دولار شهريا. وأوضح أحد المنشقين عن التنظيم في دير الزور أنه انضم للتنظيم لأنه كان مسؤولا ماليا عن 6 أخوات ولم يكن قادرا على تأمين الغذاء والحماية لهن. وعندما توقف النظام عن دفع الرواتب في دير الزور، وأجبرت المنظمات الإنسانية على الانسحاب؛ انهار الاقتصاد الدولي، إذ قال المقاتل: قضيت شهرين أبحث عن وظيفة، ثم وجدت واحدة بعمل 12 ساعة يوميا براتب ضئيل جدا لا يكفي للخبز لعائلتي»، موضحا: «لم أكن لأترك عائلتي تجوع، ولذلك لم يكن لدي خيار سوى الانضمام لداعش. الأسد هو العدو السبب الرابع الذي يدفع بعض السوريين للانضمام هو نظرتهم إلى أن النظام السوري هو العدو الأكبر، وتنظيم داعش هو أكبر التهديدات له، فكما قال أحد المنشقين: العالم كله تخلى عن سوريا، وكان تنظيم داعش هو الطرف الوحيد الذي وقف في وجه الأسد. وقال منشق آخر قتل النظام السوري كل عائلته: انضممت لتنظيم داعش لأنتقم لعائلتي، مضيفا أن معظم المنضمين للتنظيم من محافظة حمص، التي قمعها النظام وقصفها دون رحمة، وقدانضموا للسبب نفسه. وأخيرا، فإن السبب الخامس لانضمام بعض السوريين هو أنهم انتهازيون يسعون لتعظيم سلطتهم وأموالهم، بحسب ما قال أحد المنشقين من محافظة إدلب. وسعت داعش لتجنيد المسؤولين العسكريين السابقين الذين يملكون خبرات عسكرية واستخباراتية كبيرة، وهم الذين لم يشاركوا في الثورة ويعتبرون منبوذين في مناطق بعيدة عن سيطرة النظام. وقدر أحد المنشقين بأن ما نسبته 80 بالمئة من أفراد تنظيم داعش هم من الأشرار، الذين ينضمون للتنظيم من باب الانتهازية، ويسببون المشاكل. أسباب الانشقاق وعلى النقيض، تظهر مقابلات مع أفراد سابقين في التنظيم أن دوافع الانشقاق والهرب من التنظيم مختلفة ومتنوعة، مثل أسباب الانضمام. أحد الأسباب أن بعض الأفراد ينشقون عن داعش ويذهبون لتنظيمات أخرى لأنهم يرون أن داعش يخسر، فبحسب أحد المنشقين فإن التنظيم يضعف مع الأيام، فهرب إلى تركيا لأنه كان خائفا من الاعتقال على يد النظام أو فصيل معارض، في ظل عمليات انتقامية قد تحصل إذا اعتقل. البعض الآخر ينسحب لأنه رأى أن داعش الذي يتعهد بتدمير نظام الأسد الطغياني، مستبد وقمعي مثل حكومة الأسد التي يسعى لإسقاطها. وبالإضافة لذلك، يستخدم التنظيم آليات النظام السوري نفسها في التعذيب، إذ قال أحد المنشقين إنه انضم للتنظيم لأنه انجذب لوعوده بتحقيق العدالة ، لكنه تشوش عندما رأى الواقع القاسي لحكم التنظيم بما في ذلك إعدامه لأعضائه أنفسهم، قائلا: «شعرت أنهم كذبوا علي، وتفسيرهم للإسلام كان خاطئا»، واصفا إياهم بالمستبدين جدا، مثل النظام السوري. ويتلقى المقاتلون المرتبطون بالقيادات الكبيرة في تنظيم داعش معاملة تفضيلية، ويسامحون عن ارتكابهم الأخطاء، مثل الدخان وتعاطي المخدرات. وعادة ما ترتبط هذه الميزات ذات المعايير المزدوجة بالمقاتلين الأجانب، فقد عبر خالد، المقاتل السابق من دير الزور، عن إحباطه من اكتشافه أن الأوروبيين أو القادمين من وسط آسيا، يتلقون مقابلا أكثر من السوريين، ويتلقون ميزات إضافية. وقال خالد إن وزارة حرب التنظيم بها مكتب خاص للإشراف على المهاجرين، موضحا أنه إذا طلب مهاجر هاتف آيفون، يستطيع الحصول عليه بشكل مجاني من المكتب، بدون أي سؤال. وبينما يصعد المهاجرون لمواقع القيادة، ينقل السوريين لأخطر المواقع على الجبهات، خصوصا أولئك الذين لا تثق بهم قياداتهم للاشتباه بالتخطيط للانشقاق أو لا يعتبرون ملتزمين بشكل كاف للقضية، إذ إن السوريين متهمون بقربهم جدا من المدنيين. ويروي المنشقون والهاربون من التنظيم مظلمة أخرى، هي قطع الرواتب، فالسوريون يتلقون رواتب بشكل أقل بكثير من المهاجرين، وفي الشهور الأخرى، خفض التنظيم رواتب كل أفراده بنسبة خمسين بالمئة، مما يفقد السوريين، الذين انضموا لأسباب اقتصادية، ميزات الانضمام للتنظيم مقابل المخاطر التي يرونها. فرز خارج سوريا وأخيرا، ينشق السوريون من التنظيم لتجنب فرزهم إلى العراق وليبيا، في الجبهات التي تبعدهم عن السبب الأساسي لصراعهم مع نظام الأسد. وقبل انضمامه لتنظيم داعش، عام 2014، قاتل عمار مع الجيش السوري الحر، إذ كان عدوه دائما هو النظام السوري، لا الحكومة العراقية ولا التحالف ولا أي قوة أخرى أعلن تنظيم داعش الحرب ضدها.