على الرغم من افتتاح سوق حراج بن قاسم الجديد على طريق الحائر في جنوبالرياض، والذي كلف ملايين الريالات، إلا أن عملية الشد والجذب بين البلدية والباعة والمحرجون لازالت مستمرة ولازال البعض مصرون على البيع بالأرصفة في ذات المكان القديم، وخصوصا خلال الإجازة الأسبوعية، وما زالت الفوضى ديدن الطريق الدائري الجنوبي بسبب الباعة الذين لم يتقيدوا بالتعليمات الصادرة من أمانة منطقة الرياض بعدم البيع على الأرصفة والانتقال إلى الموقع الجديد. «الجزيرة»- تابعت ما يحدث من فوضى من هؤلاء المحرجون ليوم كامل، وكعادة أبناء المهنة الواحدة، كان هناك عدد من المواقف التي مررنا بها ونحن في طريقنا إلى المكان المخصص للتحريج، حيث واجهنا عددا من المحرجين المعتادين على بعضهم، ورفضوا وجودنا بينهم إلا بعد أن يسمح لنا كبير المحرجين في الحراج. الحنين إلى المكان كشف بعض من المحرجين والبائعة إلى أن الارتباط الوجداني بين الإنسان والمكان يقودهم إلى العودة إلى أماكنهم متى ماشعروا بغياب أعين الرقيب، وتحدثوا ببساطة عن كل مايدور في خوالجهم بكل شفافية، حيث ذكر فيصل العنزي أحد الباعة الجدد أن سوق الحراج الجديد أكثر تنظيماً، إلا أن من لهم سنوات طويلة في هذا المجال لم يقنعهم كثيرا التنظيم واعتادوا على البساطة التي يرونها تكمن في تجمعهم في مكان واحد وافتراش الأرصفة وعرض بضائعهم، إضافة إلى اقتناعهم التام بأن المردود المادي من خلالها أوفر وأجدى لهم». واستطرد العنزي:» مع الوقت سيقتنع كل من يذهب إلى المكان القديم بأن شكل وترتيب الحراج الجديد أفضل وأجمل، كما أن «الأرزاق بيد الله سبحانه وتعالى» فمتى ما كتب الله لك رزق ستجده». مضطرون للعودة من جهته قال سعيد الحرقان أحد كبار البائعة في الحراج والذي له أكثر من 20 سنة وهو شاهد على العصر بتحولات وتطورات حراج بن قاسم، إن الأمر بات أكثر تعقيدا لهم كباعة ومحرجين عن السابق، فألزمونا بأماكن وإيجارات أثقلت كواهل البعض منّا، إلى درجة أن البعض سئم من الوضع وقرر ترك المهنة على الرغم من حاجته الملحة للعمل وكسب الرزق الحلال». وعن سبب عودتهم إلى المكان القديم على الرغم من افتتاح سوق الحراج الجديد والذي كلف ملايين الريالات قال:»هؤلاء هم المحرجون وبعض أصحاب البسطات البسيطة ذات الأحجام الصغيرة كالأدوات الكهربائية والمنزلية والتي بالإمكان حملها في أي وقت وبسرعة، وهم يجدون في ذات المكان أن أسهل وأقرب للسيارات المحملة بالبضائع والتحريج عليها على الطريق الدائري دون الدخول إلى سوق الحراج الجديد والذي يتطلب الكثير من الوقت نظرا للزحمة وتكدس السيارات، وحتى الآن لم يستوعب بائعو العفش المستعمل الذي تحمله الشاحنات المتوسطة (الديانه)، المكان الجديد لذا دائما مايتجهون إلى الطريق الدائري وتحديداً كبري الحراج الذي تعارف عليه المجتمع في الرياض، وهذا سبب في عودة المحرجين إلى المكان القديم». مجمع تجاري خلف ستار(الحراج) وفي ذات السياق ذكر «أبو إبراهيم» والذي طلب عدم تصويره أو ذكر اسمه أن الحراج لم يعد حراجا بمعناه الحقيقي، ويرى أن الحراج يجب أن يحمل صبغة البساطة في التعامل وفي كل ما يعرض من أدوات للبيع شكلاً ومضموناَ، وهذا على حد قوله لم يعد موجوداً حالياً»، وقال:» لا ننكر أن الموقع الجديد للحراج والذي كلف مبالغ طائلة جميل بشكله لكنه بعيداً عن مسمى (حراج)، وأصبح مجمعا تجاريا خلف ستار البضائع المستهلكة والمستعملة والتي لاتشكل حالياً إلا نسبة قليلة ومن يدخل ويتمعن في المعروض بغض النظر عن البسطات سيجد كلامي سليما مائة في المائة». فوضى واستغلال وعلى الرغم من وضع أماكن خاصة مهيئة لهم بشكل جميل إلا أنهم مصرون على البسطات العشوائية في المكان القديم، وكأنه ليس حراجا إذا لم يكن هناك تكدس للبسطات والباعة على الأرصفة، بل أحيانا في الممرات الخاصة بالمشاة، ما يجعل العبور صعبا للغاية، إضافة إلى الاختناق المروري الذي يحدث من جراء هذه العشوائية التي طالما سببت كثيرا من المشكلات لمرتادي الحراج والمارة. وأوضح أن الفوضى الكبيرة التي يمر بها الطريق الدائري المؤدي إلى الحراج القديم، أدت إلى إشاعة أجواء من الاستغلالية بكل ما تحمله الكلمة من معنى، فهذه قطع متراكمة من الأجهزة الكهربائية والأثاث والأواني المنزلية المستخدمة تباع بأسلوب بعيد كل البعد عن الأمانة والنزاهة والصدق والتي تعتبر من سمات البيع والشراء، إلا أن هؤلاء الباعة لا يكترثون بالزبائن ولا بمن يبيعون لهم في ظل اللهفة للكسب المادي فقط. عمالة سائبة تخوف كثير من المحرجين والباعة من ظهور صور عدد من الأيدي العاملة التي يتوقع أن تكون سائبة تعمل في الخفاء عند هؤلاء المحرجين دون علم كفلائهم، ولهذا أصروا على عدم ظهور صورهم، مؤكدين أنهم يعملون للكسب الحلال بغض النظر عن أمور أخرى. الزبائن يتحدثون من جانبهم أكد عدد من الزبائن ومرتادي الحراج بشكل يومي أو أسبوعي أن الحراج بمكانه وشكله الجديد نظم الكثير وألغى العشوائية في البسطات والمحلات، متمنين في الوقت نفسه أن يستمر هذا التنظيم وأن لا تدخل الأيدي المخربة المحبة للفوضى في سير عمل الحراج، حيث قال:» عاصم الزبيدي أحد مرتادي الحراج إن التجول حالياً بين مايعرض أصبح ممتعاً للغاية، فلم تعد هناك مناظر مقززة كما كان في المكان القديم»، وأضاف: «مع الوقت سيتناغم الجميع مع الوضع الجديد للحراج وسيكون أكثر جذباً». أما يحيى جابر أحد هواة اقتناء الأدوات الأثرية التي ترتبط بالماضي من جميع أنحاء المملكة أنه يحرص دائما على زيارة الحراج ولاسيما في نهاية كل أسبوع للبحث عن المقتنيات الأثرية وقال:» أكاد لا أغيب كثيرا عن الحراج حيث أزوره أسبوعياً للبحث عن كل ما يتعلق بالآثار والأدوات القديمة التي كان يستخدمها آباؤنا وأجدادنا والتي عادة ما تتوفر في الحراج». وعن وجهة نظره في الحراج بشكله الجديد والقديم قال: «هناك فرق كبير بصراحة وأنا أحد مرتادي المكانين، فالموقع القديم ببساطته كان المعروض أكثر بساطة متماشيا مع المكان أما الآن فبات المعروض أقل من حيث الأدوات القديمة وباتت تغلب عليه صبغة الأدوات المجددة أو الجديدة، وتعرض الأشياء القديمة على استحياء، إضافة إلى أن وجوه الباعة لم تعد الوجوه السابقة والذين اعتدنا عليهم وهم من كبار السن ببساطتهم بالتعامل في البيع والشراء التي أحبها كل من حولهم». إزالة البسطات العشوائية وكانت أمانة منطقة الرياض قد أزالت عدة مرات الكثير من بسطات الباعة مفترشي الأرصفة على طريق الدائري الجنوب «الحراج القديم» والذي أدى إلى الازدحام المروري بشكل كبير. حراج (ابن قاسم) بين الماضي والحاضر وكان حراج بن قاسم الجديد على طريق الحائر جنوبالرياض قد افتتح في ابريل من 2015، ويعد من الأسواق القديمة في الرياض، حيث يعود إلى عام 1371ه قبل 65 عاماً وسميّ باسم (ابن قاسم) نسبة إلى رجل كان يعمل دلّالاً على بيت المال في عهد المؤسس الملك عبد العزيز بن عبدالرحمن آل سعود - رحمه الله -. وتنقَّل حراج بن قاسم في عدة أمكنة من المدينة، فبدأ في ساحة الصفاة بجوار قصر الحكم، ثم تحوّل إلى شارع الريس، ثم إلى منفوحة بجوار سوق الغنم ومن ثم حي المنصورية، ليستقر أخيراً في موقعه الجديد على شارع الحائر.ويشكل السوق عامل جذب كبير لفئة من ساكني منطقة الرياض نظراً لارتباطه بأذهان الناس وكذلك توفر جميع أنواع البضائع فيه وبأسعار تقل عن مثيلاتها في أسواق المدينة الأخرى.