كم سررت بهدية جليلة ازدانت بها مكتبتي، فيما احتفت حسب زعمي المكتبة العربية من قبل. من الأستاذ الباحث لجامعٍ ماتع "صالح بن محمد الزمام" نسل أحد أبناء الأسر العزيزة على الشيخ علي أبي يرحمه الله، ووالدينا جميعاً (وأصدقائهم). ولطالما.. رأيت جزءا أو آخر ( على تفرّق) لعطائه (نوادر من التاريخ) -والتي بلغت اليوم/ 12 جزاءً-حتى أتت لي مجتمعة مرتّبة، وبإخراج بهيٍّ سهل الفتح، ونديّ الطباعة.. أَنيقة متأنقة.. وقد قامت مؤسسة (تاج) على تتويجها بإخراج بديع، يُشكر الطرفين المؤلِّف والمؤسسة، على جليل وإحسانٍ من الأول، جمع - تأليف- ، والطرف الآخر .. لجمال مظهر وحُسن إخراج. المهم.. ابتداءً أشكر المصنّف للاهتمام بي، ومن ثمَّ الانتظار من شخصي الصغير أمام جهده الغزير التقييم، أو كأنه عهد إلي، لا.. بل استشرف أن أُبدي نحو عطائه ما يمكن أن يبلْغ أهل الدارية. .. أبا محمد، ما كان لهذا البديع الذي أخذ منك سنين (مع) تجشّم الذات إثر تحصيله بعناء بحثٍ، وجهد همة منك أن ينظر أو ينتظر إزجاء من مثلي من ذي البضاعة المزجاة.. لولا أمل يحدوا مثلك بمثلي.. عُهد منهم التلطّف، من حيث لا يشعرنّ -بحُسن التفاتهم- أن هناك منهم دونهم (وهم كثيرون جداً)، هذا أولاً.. وثانياً: كيف إذاً، وهو آخذ من صاحبه عناء ليحاكي به الإتقان، للدرجة التي تحسب ( وأنت عاكف في استقرائه)، أنه من السهولة، وهنا هو مكمن الصعوبة! فإن قِلة من تُعطى منطقاً سائغاً شرابه، لأنها خلّهًّ، بل هبة من الوهاب (وهائب.. لا نهائب).. ولهذا أُثر عن النقاد تفريقهم بين شعر جرير والفرزدق، أن كيف بلغ الأول مرامه من بما طرح، وهذه قمة الإبداع، مما يُحسب لابن المقفع أنه وُفِّق لتقريبها، حين قال عن السهل الممتنع: (إذ ما سمعه الجاهل ظن أنه يحسن محاكاته..)! لا، غرو، فالصناعة إبداع، وفي الآية رافداً: {صُنْعَ اللَّهِ الَّذِي أَتْقَنَ كُلَّ شَيْءٍ} [النمل: 88] لاحظ بربك!.. أين أتى طلب الإتقان مع (صنع)، ويكْ.. كأن الأمر فيه تلازم.. ثالثاً: أحسنت اختياراً بالصفحة الثالثة - من كلّ جزء- ما أوردته لإبن القيم: (لك أيها القارىء صفوه، وللمؤلِّف كدره)، لكن أينك من دفع رزق بن عبد الوهاب: (لا يَحسن بكم أن تستفيدوا منّا، ثم تذكرونا ولا تترحموا علينا)، كأنه يُومىء لتلاميذه من بعده مقالة - منظومة - لبعض المربين: أجزيه، أو أثني عليه، وإن مَن (أثنى عليك) بما فعلت فقد جزى ثم لا عليك أُخرى، إن قال الجاحظ ( من ألَّف فقد استهدف) أي: أمسى مرمى للسهام، وبالمناسبة/ فقد جاء في الحديث {أقيلوا ذوي الهيئات عثراتهم}، كالدكاتر، وذي الشأن بالبلد، فليس معقول أستاذ جامعي و(يتقصّد) -مثلاً- قطع أشارة مرور! - وهذه فيها دلالة.. أن من (أنتج) للأمة، إلا وعطائه تحت التصويب، لا مقصلة التنفير، أو التقزيم من جهده.. وبذله.. وعلى كل لا يسلم من النقد أحد، قال ابن القيم - صاحب 230 مؤلَّف-: (لا تضجر من النقد، بالذات إن جاءك من غير أهله). ثم تمم - أي الجاحظ-: (فإن أحسن فقط استعطف، وإن أسأ فقد استقذف) فإني - ومن تقيمي المتواضع- أبشّرك بالأولى، فقليلٌ اليوم (بخاصة): من ترك دويّاً في الدنيا، وجماليات ما أفائت به قريحة عطائه، وما جدّل.. على كل متلقي، ففوّت به لأي متربّص امتاعاً، وإن لن يُعدم عطائك حِكم.. خاط أردانها الجواهري -شعراً-: وفيما قال من حسن وسيئ، يكثر الجدلُ فهون عليك، ما قد تلتقيه عينيك. .. لإن رضا الناس غاية لا يطال أماده بعدها. أن يدع ذاك ليغيص في أُتون الكنوز التي تركها السلف، وقد جدّوا فيها.. عسى أن يبتضع من تلك التجارة -الرابحة- بعض ذوي الألباب يضع مِن الخلف (ممن يقدّر) فيعكف ركبتيه لتحري جماليات ما تحمل فما النبوغ.. إلا (رؤية ما يعمى عنه الآخرون). .. بل يرمل إثرى أثيرها، أن عساه يقطف من بهيّ ثمارها، وينتقي بين جليل غمارها، ولقد ترك الطبري- المؤرّخ والمفسّر- ما يقارب نصف مليون صفحة (مما خطته يداهُ)، أما.. السيوطي، فقد ذُكر له أنه (خطّ أربع مئة ألف صفحة)، ولا عجب، قال بمثل آحادهم - المتنبي: أشفق عليه (عند انقاد فكرته) عليه منها، أخاف يشتعل .. ولو ما يُحسب أن يوضع في اطروحات سهلة التحصيل بين يدي أي مُستْشفٍّ منها (الأفكار)، أو الآداب، وكذا التربية وحُسن التوجيه.. ويكفيك أنفاساً، في ما جدّله (شعر) الشافعي: من وعى التاريخ في صدره أضاف أعماراً إلى عمره .. فكيف وأنت مع (الوعي) تدوّن، فتبُرز ما يستحق أن يُملأ على الملاء.. ليكون -ذلكم- في ميزانكم، مُثقلاً يوم تخفّ أوزان من أسرفوا على أنفسهم.. وضيّعوا جملة (أعظم) ما يملكون: (الوقت)، وهو مساحة.. فرصة أعمارهم، في الدنيا، وأعمارهم للحياة الأخرى. بالذات لأقوام صالوا وجالوا فقطعوا الأعمار حتى بلغوا من العليا كل مكان، فهم بحق: جمال ذي الأرض كانوا في الحياة وهم بعد الممات جمال الكُتب والسّير رابعاً: وما تقدم .. يأخذنا إلى ابراز لافتة/ بعض الطروحات يُظن أنها من اليسر بمكان، مثل ما يقال في الرجز بالشعر، أو المعارضات التي لا تحتاج إلا مرامي سوى معاكسة (لما قيل)، وهكذا.. .. فقد ينظر في كُتب المنتخبات (الجمع) من التاريخ، وهذا ربما يحسب أنه من اليسر! أبداً، فالمرء يعرض ما تناهى إلى ترجيحه أنه يستحق، ف(اختيار المرء قطعة من عقله). وليس هذا بالإمكان فهو (كما تقدم) إجلاءً: من السهل الممتنع. فأهل الفقه قالوا كلما ضاق الأمر اتسع، وأهل البلاغة عكسوها: أن كل ما سهل صعب! فمن حيث إن الانتخاب عويص، ويحتاج شروطاً لعل أهمها القراءة العميقة.. الواسعة (وربما الشاملة) التي تجيز للجامع الاختيار، بل قل التّفريق بين الغثّ والسمين، وكذلك ما يجب أن يصعب ذائقه رآقيه، واستقراء عميق بالنصوص، بالذات حال التفاضل بين أكثر من رواية تصب بذات المرام، كما وأن الانتخاب الذي يعبرّ عن ذائقه الكاتب -الجامع-، فهو: جلاء عن مخبوئه، ثم مدى ما بلغ من مكانة في الطرح، كذا.. التفضيل الذي ذهب إليه في النصوص (التي انتقاها)، والقصص التي رجّحها.. لهى الفيصل الكافي عنه. خامساً: كما وهو (بإذن الله) دفاع تعذيرٍ لكم، وشافع يوم لا تزول به القدم حتى نُسأل به (.. عن علمه ماذا عمل به)، أنّك حفظته ومن بهاء علم نخلته، فقدّمت - به- ما يستحق أن ينشر، ومن قبلُ ينثر على الصحائف التي تحويها الكُتب، ألا.. يكفي/ ذا العطا الذي تطاول واشمخرّ وبعدها تحسين تبختر، يوم بلغ اثني عشر قناً. كل منها حلو عذب النهل، فهو كالنخل علوًّ بالقدر، فيما ثمره قريب- سهل-، كقطوف دانية المُبلِّغ من المدارك. سادساً: لا نكفىء، (إذا.. لو سرحت وراء نيل بغيتي، لم أبلغ ساحل ما يستحق جهدك من ..)، ولو أننا نُهينا عن الإطالة بالمدح، ولكن يلزم أحياناً (بعضه)، كي يُعلم أنّنا أُمّة الشكر.. وإلا ما حُمد هذا، ولا ندبنا لذاكا، لولا نصوص، أجلاها (لا يشكر الله من لا يشكر الناس)، والله أعلم/ أن هذا لحكمٍ، جليلة، يتضح.. من أهمها: كي يستمر العطاء، ويزيد النماء. بل لو أمتدّ قلمي مثنياً، فلن يضيره، لأني الذي أعلمه من نوعيتك، لا يغريها المديح، ولا يوجعها الذمّ، فإن قلت فيه قديس أو إبليس، فما ذاك بضائره، فأهل الحمد يعرفها العجم قبل العرب. فالأولى هم تربه رضا ربه، والأخرى يدفعها ب/ واثق الخطوة يمشي ملكا. ف.. لك من أخيك المقدّر لك الهدية (الثمينة)، ومن قبل الجُهد الذي لا يعرف مداه، سوى من جرّب/ الثناء مُزجياً مع (سندٍ) تقدم إجلاءات عنه هذا. وأذكر يوم أخبرته أني سأقوم بنشر المادة، مع تعديل طفيف من لوازم الصحافة، طلب مني وقد أثنيت عليه أنه ( فلاح.. مُتطفِّل العلم) . استلحق/ أن أهم شيء النية- في العمل-، قال أبو داود الطيالسي: ( ينبغي للعالم إذا حرر كتابه أن يكون قصدهُ بذلك نصرة الدين، لا مدحه بين الأقران لحسن التأليف)، ولا أظنكم - حبيبنا- تخفاكم هذه.. سابعاً: مما يذكر فيحمد نهج أبي محمد -المصنف- أنه حين يورد بعض (النوادر) لايدعها مرسلةً، بل يقوم بالتعليق إما بالحمد والشكر لمن هو أهل، أو التنبيه على من يستحق.. وهكذا، وهو القمين بالناقل.. أن يثري العطاء عما علمه حوله، وما يمكنه أن يزيد ثناء أو ملاماً. ثامناً: في ملحوظة.. قدر البعوضة، مما لابد من بسط بعضه/ عالمنا (اليعربي) فيه من الجفاف والغلظة ما يجعل الشكر لا يأتي منه إلا ربما بشقّ الأنفس!، حتى لقد قيل: ما قلّ فينا النابغون، وإنما عدد الأولى قدروا النبوغ قليل ف(لفظة: قليل) لها شاهد، ومن كتاب ربنا رافداً، بل غزير الدلالة حين أنبأ {وَقَلِيلٌ مِّنْ عِبَادِيَ الشَّكُورُ} [سبأ : 13] صدق الحق- سبحانه-. وهذا -طرّاً- ما جعلني أمضي وراء ما سُوّل لقلمي أن يمليه. .. وأما التوقير- التقدير- لمن يبذل فهذا بعيد شقته إلا على نزر، نحو ما جاء في قوله تعالى: {وَقَلِيلٌ مَّا هُمْ} [ص: 24]، كيف.. وقد نقلت عنا الصدّيقة بنت الصديق حب رسول الله عائشة ( أَمرنا رسول الله صلى الله وعليه وسلم أن ننزل الناس منازلهم). هذا فضلاً أن ينجو الباذل من ألسنت حداد.. إلا ويجدها في طريق تصعّده درجات المجد.. أقصد من يعمل، وفيما الخامل للأسف بنأيٍّ عن.. مجمل خطابهم، فالصامت لا رأي له. ولهذا فصاحب (المعروف) العطاء لا ينجو.. من نقدٍ عام، وإن خلا من نقص (ظاهر شاهر) عند من ينتقد عليه من الله برهان (حجة)، في تصويب أو تصحيح.. حتى بالمناسبة.. نُسب للغزالي مقالة (نصف الشعب أعداء للحاكم إذا عدل)! يقصد فكيف لو طالهم منه بعض حيف، أو تضعضع (غير مقصودٍ) في إيصال الحق؟! عبد المحسن بن علي المطلق