لم يمر اللقاء الثنائي المطول الذي جمع مؤخراً رئيس الدولة الباجي قائد السبسي بزعيم حركة النهضة الشيخ راشد الغنوشي مرور الكرام، حيث عاد الحديث مجدداً وبأكثر حدة هذه المرة، حول مبادرة كان قد تقدم بها السبسي منذ أشهر وتتعلق بالمصالحة الوطنية الشاملة التي صفقت لها النهضة طويلاً، فيما وقفت ضدها المعارضة وبقية الأحزاب الصغرى في انتظار أن ينظر فيها مجلس نواب الشعب. ويمكن القول بأن هذه المبادرة قسمت التونسيين نخبة سياسية ومواطنين إلى قسمين، أحدهما يؤيد المشروع ويراه ضرورياً في هذه المرحلة الدقيقة التي يمر بها الاقتصاد الوطني الذي ما فتئت مؤشراته تسجل تراجعاً مخيفاً وحلاً مناسباً لعودة رجال الأعمال «المغضوب عليهم» إلى الاستثمار بما يضمن استرجاع عجلة التنمية لنسقها الطبيعي، فيما يعتبره القسم الثاني تعدياً على قانون العدالة الانتقالية وتهرباً من المحاسبة التي تستوجبها إعادة الحقوق لأصحابها بعد أن استولى عليها البعض ممن أثرى قبل الثورة وبعدها، ومراوغة خسيسة بغاية عدم دفع الجباية التي من شأنها إنعاش الخزينة العامة للدولة. وارتفعت وتيرة الجدل مجدداً في اليومين الأخيرين بعد أن أعلنت لجنة التشريع العام بالمجلس أن هذا القانون -بعد إدخال تعديلات عليه من رئاسة الجمهورية- سيكون من ضمن أولوياتها خلال الشهرين القادمين لتنظر فيه ثم تحيله على الجلسة العامة للمصادقة. غير أن هيئة الحقيقة والكرامة عبرت عن رفضها مجدداً لهذا المشروع في نسخته الأصلية باعتباره غير دستوري معبرة عن رفضها كل دعوة إلى المصالحة خارج إطار مسار العدالة الانتقالية. وبالتالي لا بد من انتظار موقف لجنة التشريع العام بالبرلمان لتكشف عن النسخة النهائية لهذا المشروع بعد التغييرات المدخلة عليه. ومما زاد الجدل حدة المقترح الذي أعلن عنه مؤخراً رئيس حركة النهضة راشد الغنوشي إثر لقائه رئيس الجمهورية والمتعلق بالمصالحة الشاملة التي اعتبرها السبيل الوحيد لتهدئة الأوضاع في البلاد وإنهاء النظر في الملفات السياسية العالقة وطيّ صفحة الماضي ووضع حد لكل الأحقاد وتكوين صندوق وطني للتعويض لضحايا الماضي.