لم يكن يوم أمس الأول الاثنين يومًا اعتياديًّا على كل السعوديين، بل على كل المهتمين بالاقتصاد العالمي؛ فقد كان يومًا استثنائيًّا بما سيؤول إليه مستقبل المملكة خلال ال15 سنة المقبلة، منذ اللحظات الأولى التي أعلن فيها تخصيص مجلس الوزراء برئاسة خادم الحرمين الشريفين الملك سلمان بن عبدالعزيز آل سعود جلسته للنظر في مشروع رؤية المملكة العربية السعودية 2030. ومنذ أن وجَّه - يحفظه الله - مجلس الشؤون الاقتصادية والتنمية برسم الرؤى التنموية للمملكة، منذ تلك اللحظات ارتسمت في الأفق معالم تنموية شاملة، وضعها خادم الحرمين نصب عينيه آملاً من المواطنين والمواطنات العمل معًا لتحقيق الرؤية الطموحة، وأن تكون رؤية خير وبركة. وعلى الفور بدأ مجلس الشؤون الاقتصادية والتنمية الذي يرأسه سمو ولي ولي العهد الأمير محمد بن سلمان بوضع الآليات والترتيبات اللازمة لتنفيذ هذه الرؤية، ومتابعة ذلك مع الوزارات والأجهزة الحكومية الأخرى التي أصبحت ملزمة بهذه الرؤية. جلسة وزارية استثنائية جلسة استثنائية مخصصة للرؤية، ومقابلة تلفزيونية طويلة، ومؤتمر صحفي مطول، أظهرت للناس من هو الأمير الشاب الذي حمل على عاتقه همّ الوطن وهمّ كل مواطن ومقيم على هذه الأرض. كانت أحاديث الأمير الشاب المتلفزة ترفض اعتبار هذه الرؤية حلمًا يمكن تحقيقه، كان يراهن على أن تكون واقعًا لا مناص منه، يجب رؤيته. كانت ردوده على وسائل الإعلام في الداخل والخارج رسالة واضحة لما يتمتع به من جرأة، ومهارة سياسية، وقوة إرادة، وإحساس بأهمية الوقت.. هذه الصفات بحسب خبراء ومختصين لا تنطبق إلا على قادة التغيير. أدرك المجتمع السعودي أنه أمام (تسونامي) معرفي اقتصادي، يقوده الأمير الشاب في معركة لا تعترف بالتقليديين الاقتصاديين. فحين تصل الأفكار الجديدة، وحين تتحدد ملامح رؤية المملكة 2030، تدرك أنك أمام شاب فذ، رسم في ذهنه خارطة المستقبل، وراهن على نجاحها. مثل هذه الرؤى المستقبلية يعتبرها علماء الاقتصاد والتنمية من أكبر التنقلات الجغرافية للثروة النفطية في التاريخ. هكذا بدت رؤية السعودية 2030 أمس الأول في نظر العالم، وهي ما وصفت بأنها تتحرك اليوم بشكل لم تعرفه من قبل؛ ما يحتم علينا تغيير علاقاتنا بالوقت والمكان. دور المواطن ما أكده الأمير محمد بن سلمان في معرض إجاباته عن أسئلة الناس هو دور المواطن المهم في مشروع الرؤية وبرنامج التحول الوطني؛ إذ أكد سموه أن البرنامج لا يمكن فهمه ضمن إطار اقتصاد تقليدي. لقد بدَّد الأمير محمد بن سلمان أمس الأول هموم الشارع السعودي، هموم البسطاء والنخبة الذين كانوا يخشون سرعة التغيير. ومنذ اللحظات الأولى التي تسلم فيها سمو ولي ولي العهد مجلس الاقتصاد والتنمية وهو يدرك أنه لا أحد يتنبأ بموعد استخراج آخر برميل للنفط في العالم. ومن هنا تأتي حتمية التحول، وتحديد رؤية مستقبلية للعمل في ضوئها. لقد طمأن الأمير الشاب بظهوره أمس الأول جميع فئات المجتمع على مستقبل الوطن، وأنه بأيدٍ أمينة، لكنه طلب منهم التعاون، وتفهّم الأوضاع، ودعم هذه الرؤية وهذا التحول. وبدونهم لن تحقق الرؤية أهدافها، ومع مرور الوقت وإعلان بعض الإجراءات والتنظيمات ستتضح للمواطن تفاصيل أكبر للدور المهم في المشاركة لإنجاح هذه الرؤية، التي لن تتم بمنأى عن تغيير بعض العادات والسلوكيات الخاطئة في حياته الاجتماعية والاقتصادية التي تنطلق من الأسرة الصغيرة. وما ينبغي التركيز عليه في حديث سموه هو دور وسائل الإعلام أيضًا في توعية المجتمع، وعدم الالتفات لما يمكن أن يعرقل هذه المسيرة التنموية من أعداء الداخل والخارج من جهة، وتقييم هذه الرؤية بالملاحظات البناءة؛ كون الشفافية ركيزة أساسية لإنجاحها. الصحة والتعليم والترفيه الجميل في التحول الوطني القادم هو تركيزه على التعليم والصحة والترفيه. هذه المصادر ثروات غير نفطية، لم نحسن بعد توظيفها واستغلالها بما يعود على المواطن بالفائدة. المواطنون من ذوي الدخل المحدود والمتوسط سيكونون أكثر سعادة بما سيلامس حياتهم بشكل واضح ويجلب لهم الفائدة. ألمح سمو الأمير إلى ضرورة تغيير الأسلوب الذي يتم به تقديم هذه الخدمات؛ لتكون بشكل أفضل وأجمل. رئيس تحرير بلومبرغ يصف لقاء ال5 ساعات من جهته، وصف رئيس تحرير مجلة بلومبرغ جون ميكلثويت، الذي أجرى لقاء مدته 5 ساعات مع سمو ولي ولي العهد الأمير محمد بن سلمان، شخصية الأمير الشاب الذي أطر خطته الوطنية والمستقبلية للمملكة الجديدة بأن لديه اهتمامًا خاصًّا بضرورة نقل الاقتصاد السعودي بعيدًا، وجعله يستند إلى أمر جديد عبر إنشاء صندوق سيادي، تنتقل إليه أرامكو، تبلغ قيمته تريليونَيْن، وهو أمر مدهش. وأضاف في مقابلة خاصة بأن لدى المملكة خطة دراماتيكية للتحول الاقتصادي، تتعلق بهيكلة الحكومة. وأضاف بأن هناك نوعًا من التغيير في الجيل؛ إذ يحيط بالأمير والده الملك سلمان، وابن عمه ولي العهد الأمير محمد بن نايف، وجميعهم لديهم النظرة الإصلاحية نفسها، ويضعون أقدامهم مع بعض على دواسة وتيرة التغيير. وأضاف رئيس تحرير بلومبرغ بأن فكرة تأسيس صندوق استثمارات سوف تغير الفكر الاقتصادي المعمول به حاليًا في المملكة عندما تنطوي أرامكو تحت لوائه؛ إذ لن تأتي الإيرادات مباشرة من النفط، وسيعمل السعوديون على تكوين طيف كامل من الاستثمارات المتنوعة في السنوات القليلة القادمة. وركز جون في حديثه المتلفز على أن الغرض من دخول أرامكو هذه المرحلة هو نقلها من منتج للنفط؛ لتصبح أكبر مكرر بالدخول إلى مجالات بتروكيماويات أخرى، وتصبح شركة صناعية وطاقة ضخمة، تغطي جميع المجالات، وهو ما اعتبره جون تغييرًا جذريًّا نسبيًّا في الهيكل الصناعي للبلاد وسوق النفط. وحول العلاقة مع إيران في ظل هذا التحول قال رئيس تحرير بلومبرغ: أعتقد أنه من المنصف أن السعوديين لم يستجيبوا بصدر رحب لاقتراح باراك أوباما حول تقاسم الشرق الأوسط مع إيران، وهو ما أكده سمو ولي ولي العهد الأمير محمد بن سلمان بأن المملكة تؤكد في كل محفل أنها لا تسيس سياستها النفطية، وإنما هي لمصلحة وربحية شركة أرامكو. مشيرًا إلى الفرص العديدة في مجالات التعدين وصناعة الطاقة النووية؛ إذ تملك المملكة اليوم أكثر من 6 % من احتياطات اليورانيوم عالميًّا.