منذ أكثر من ثلاثين عاماً، وأنا أُتابع مسابقات كرة القدم السعودية عن قُرب، لم يمر علينا خلالها أسوأ من المواسم الثلاثة الأخيرة من حيث الشحن والبغضاء والكراهية والاحتقان في الوسط الرياضي، بل إن الأمور أصبحت تزداد سوءاً كل عام أكثر مما قبله، والنتيجة وكما يُقال بالمثل الشعبي: (لا طبنا ولا غدا الشر..!!)، يزيد الاحتقان، ويزيد تقهقرنا.. لقد تراجعنا كروياً، وأصبح تصنيفنا متأخراً على مستوى القارة، وحتى على الصعيد الدولي بعد أن كنا وحتى مطلع الألفية الجديدة بحال أفضل مما نحن فيه الآن وبكثير، والسبب أننا كنا أكثر وأفضل انضباطاً بكثير مما نحن عليه الآن وبمراحل كبيرة وأكثر حرصاً على تغليب المصلحة العامة وتحقيق النجاح. ) لقد ساهمت عوامل عديدة في الحال التي نحن فيها الآن من الاحتقان والتراجع، بل والتخلف إن صح التعبير والكل شريك فيما جرى ويجري سواء كان الاتحاد السعودي لكرة القدم ولجانه ومن خلفهم اللجنة الأولمبية السعودية كونها المرجع الرسمي للاتحادات الرياضية أو كان الإعلام الرياضي والأندية الرياضية ممثلة برؤسائها وحتى الجماهير، فعلى صعيد الاتحاد السعودي لكرة القدم واللجان التابعة له، فإن لديه العديد من الأخطاء لست بصدد سردها والحديث عن تفاصيلها فهي لا تخفى على الجميع سواء كانت في تفاوت بالقرارات وضعف في أداء بعض اللجان، مما نتج عنه شعور لدى الكثيرين أن الاتحاد يُحابي أندية دون أخرى، وهذا بالطبع أمر غير محمودة عواقبه وكذلك، عدم قدرة الاتحاد على معالجة العديد من السلبيات بما فيها الحضور الضعيف لمنتخباتنا الوطنية، وبالذات المنتخب الأول وتغييب دور الجمعية العمومية للاتحاد التي من الواجب أن تكون الرقيب على أداء هذا الاتحاد ومدى كفاءته، وكان من المفترض أن يكون للجنة الأولمبية دور إيجابي في هذا الشأن إذا ما أخذنا بعين الاعتبار أنها المرجعية الرسمية لكل الاتحادات الرياضية. ) أما على صعيد الإعلام الرياضي فقد ظهر في أسوأ حالاته في السنوات الأخيرة، وساهم بشكل كبير وفعّال في حالة الفوضى والاحتقان التي عمّت الوسط الرياضي والسبب أن وسائل الإعلام وبالذات القنوات الفضائية أصبحت تقتات وتسوّق برامجها من خلال بعض (الغوغائيين) المنفلتين والمحتقنين الذين يتنقلون من قناة لأخرى ومن برنامج لآخر فساهموا بشكل كبير بالمزيد من الاحتقان وزرع الكراهية بالوسط الرياضي، وقد أساء هؤلاء للإعلام السعودي قبل أن يُسيئوا لأنفسهم، والمؤسف حقاً أن نرى هؤلاء وقد تصدروا قنواتنا الرسمية التابعة لوزارة الإعلام..!! ) وعن رؤساء الأندية قد يكون الحديث مختلفاً عما كان عليه سابقاً إذ لُوحظ أن أحاديثهم أقل حدة بكثير عما كانت عليه سابقاً وإن كان البعض يتحدث عن أن هناك إعلاميين موظفين لهذا الغرض نيابة عن بعض رؤساء الأندية (!!!)، ويظل المأخذ الأكبر على رؤساء الأندية أنهم أغرقوا أنديتهم بالديون من خلال تعاقدات وعقود خاطئة، باهظة الثمن سواء مع لاعبين محليين أو أجانب أو حتى مع بعض المدربين واستفرادهم بالقرارات وتهميش دور أعضاء الشرف ممثلاً بالمكاتب التنفيذية، وهذا من أسباب ما نسمعه عن أن هناك أعضاء شرف يعملون على إسقاط رئيس هذا النادي أو ذاك لأنه أقصاهم وهمشهم، وما من شك أن هذا الأمر خطير جداً وله سلبيات كبيرة. ) أما على صعيد الجماهير، فقد كان لها وما زال دور فيما نحن فيه من خلال مواقع التواصل الاجتماعي التي فتحت لهم على مصراعيها، وأيضاً من خلال دعم المحتقنين وبالتحديد من بعض الإعلاميين (الغوغائيين)، بل إن هذه العينة من الإعلاميين لهم حظوة خاصة لدى العديد من الجماهير، وأصبحت هذه الحظوة دافعاً لهم نحو المزيد من التمادي في التعصب وزرع الكراهية والاحتقان في الوسط الرياضي لأنهم يرون أن في ذلك عزة لهم ورفعة..! ) من المؤسف أن يؤول بنا الحال إلى ما نحن فيه الآن، وسيقودنا هذا إلى الأسوأ ما لم يكن هناك تدخل رسمي لتصحيح مسار الرياضة السعودية وبالتحديد كرة القدم، ولن تجدي الخطط والبرامج التي نسمع عنها ما لم تجتث العوامل التي أدت بنا إلى ما نحن فيه من الاحتقان والفوضى، فمن يصدق أن تلصق تهمة الشبهات في مسابقات كرة القدم وعلى وجه الخصوص بطولة الدوري..؟! إذ لم نسمع عن ذلك من قبل، ولم يكن أحدٌ ليجرؤ أن يتحدث بمثل ذلك إلا مؤخراً..! إنني لا أجد حرجاً ولا أتردد لو قلت إنني أتمنى تدخل الجهات العليا بالدولة لتصحيح هذا الوضع المزري والذي سيقودنا للمزيد من التراجع والعودة كثيراً للوراء أكثر مما نحن فيه لأنني لست متفائلاً بتصحيح هذا الوضع خلال الفترة القادمة ما لم يكن هناك مثل هذا التدخل الذي أشرت إليه حتى لو أدى ذلك لفرض عقوبات علينا من قِبل الاتحاد الدولي لكرة القدم (الفيفا).. فأهلاً بهذا التدخل إن كان سيصحح مسارنا المنحرف في كرة القدم ولا يجب أن يكون (الفيفا) عقبة لنا في ذلك طالما ننشد الأفضل، ولا بأس حتى وإن أوقفنا فهذا أفضل من أن نشارك ونظهر بصورة لا تليق بنا.. وها هو (الفيفا) قد تدخلت الحكومات الغربية لتصحح مساره المنحرف واقتادت مسئوليه إلى المحاكم..!!