كنت أقرأ الكثير عن هذا السور منذ كنت فتى صغيراً، وكنت أتخيله سوراً عظيماً من الكتب، وبعدها تنامى الوعي وعرفت بعدها حقيقته، من خلال ما كان يكتب عنه هنا أو هناك، ضمن تقارير ثقافية أو حتى إشارات كتاب وأدباء ومثقفين من عشاق القراءة.. وأخيراً ها أنا بين أطنان الكتب والمجلات والمطبوعات، أتجول بشحمي ولحمي متمترساً بكاميرتي الصغيرة. وإذا كنت تشعر برائحة العطارة وما فيها من توابل تصل رائحتها إليك مداعبة شعيرات أنفك في أسواقنا الشعبية كالبطحاء وقيصرية الهفوف، فهنا وفي هذا السور الذي أشبه ما يكون بزقاق ضيق تنتشر فيه رائحة الكتب القديمة.. رائحة يعرفها عشاق القراءة وهواة الأدب والثقافة، فإذا كان الكتاب يعرف من عنوانه فهنا تعرف الكتاب القديم من رائحته.. لا شك أن الأحبة الذين في جيلي -أمد الله في عمرهم- يعرفون جيداً رائحة المجلات المصرية المصور.. وحواء والكواكب.. كذلك الصحف المصرية الكبرى الأهرام وأخبار اليوم والأخبار والجمهورية الخ. فحبرها الذي امتزج بوراقها الناعم جعل رائحتها مميزة. هنا عشرات من باعة حوانيت الكتب يكادون يمسكونك من (تلابيبك) كما يقول الإخوة المصريون.. فأنت فقط أشر وطلبك يجاب بمشية الله. تريد كتابا مضى عليه من الزمن عقود فهو بالتأكيد هنا موجود وإذا لم يكن موجودا فسيتم تحضيره لك بعد ساعات أو يوم أو بعض يوم. فنظراً لمحدودية المساحة الممنوحة لكل صاحب (حانوت) فهم لديهم مخازنهم الخارجية. في البيوت أو حتى المزارع.. ملايين من الكتب القديمة والجديدة وبلغات مختلفة لكن بالطبع السائد هنا الكتب العربية والإنجليزية والفرنسية.. والحق الأسعار هنا ممتازة جدا وفي متناول الجميع وفيه براحة كبيرة للفصال...؟! سألت البائع محمود عن الكيفية التي تتم من خلالها جلب هذه الأعداد الكبيرة من الكتب إلى (سور الأزبكية) فقال عادة حاجة البعض إلى المال يجعلهم يبيعون كتبهم أو حتى مكتباتهم. أو أن بعض الورثة لم يرثوا عشق القراءة وحب الأدب كالآباء والأجداد، وبالتالي يسارعون إلى بيعها علينا مباشرة أو من خلال وسطاء وما أكثرهم في البلد.. وعن تاريخ السور قال: حسب المعلومات التاريخية فهو بدأ من خلال الحاج المعلم أحمد الحكيم الذي استأجر كشكا من البلدية عام 1933م ونشر بضاعته من الكتب وهكذا بدأ سوق الكتب الشهير جدا سور الأزبكية.