ها قد أسدل الستار على معرض الرياض الدولي للكتاب، وبعيدا عن الإيجابيات والسلبيات، والبرامج والندوات، ومنع الجمهور من الدخول بالسيارات، وبعيدا عن ارتفاع أسعار المطبوعات، والأرقام الفلكية للمبيعات، فإنني سأتحدث عن ظاهرة التواقيع والإهداءات!.. يتسابق المؤلفون على الحصول على فرصة لتوقيع كتابهم في المعارض لا سيما معرض الرياض، ويحسب البعيدون عن صناعة الكتاب وتأليفه، وتوزيعه وتسويقه؛ أن الكتّاب يجنون من هذا الفعل أوفر الأرباح، وحتى لا يصاب أحدهم بنظرة من عين حسود فإني أصف الواقع المشهود! توقيع الكتاب تقليد غربي الهدف منه دعم المؤلف وبخاصة من أهله وذويه وأصدقائه ومحبيه ثم من مريديه ومعجبيه، والمؤلف من أجل تحقيق هذا الهدف يرفع السعر عن السعر الحقيقي، وهم من أجل تشجيع المؤلف ودعمه والوقوف بجانبه لا يرون غضاضة في ذلك وربما اشتروا عددا من النسخ ليهدوها بدورهم لأصدقائهم فيما بعد.. وقد انتقلت هذه الظاهرة إلى معارض العالم العربي لتصبح خاصة بمشاهير الشعراء والأدباء فصرنا - على سبيل المثال - نرى الجمهور من الجنسين يتسابقون ليحظى أحدهم أو إحداهن بنسخة موقعة من دواوين نزار قباني أو روايات أحلام مستغانمي. وشيئا فشيئا أصبحت هذه الظاهرة مألوفة في كل معرض ومع كل مؤلف؛ حتى وإن كان إصداره الأول، وصار احتشاد الناس من حول المؤلف - ومعظمهم أهل وأصدقاء - هو الدليل على نجاح الكتاب ورواجه، ولا تسل عن المردود المالي للمؤلف إلا إن وضعت علامة السالب (-) أمام الرقم! فالمؤلف علاوة على توزيع كتابه مجانا فقد يتكفل بما تتطلبه المناسبة من ورود و(شوكولا) ولوحة دعائية تكون خلفية للصور الملتقطة تعبيرا له عن امتنانه بحضور هذا اللفيف ووقفتهم المعنوية معه!. وإذا كان الكتاب صادرا عن طريق ناشر؛ فإن دار النشر لا تعترف بحق المؤلف بإهداء مؤلفه حتى لأقرب المقربين إليه، فهم يعدون كل نسخة خارجة من جناح الناشر مبيعة ويتقاضون نسبتهم من المبيعات التي غالبا ما تكون حصة الأسد، وهكذا يدفع المؤلف نيابة عن الجمهور المتعطش لإصدار المؤلف ودعمه!.. والمشكلة أن هناك من الجمهور ممن لا تربطه بالمؤلف ولا بموضوع كتابه أية رابطة؛ يرى المؤلف يوقع للمتجمهرين مجانا فيدخل في غمارهم وينال نصيبه، وعندما يتأمل غنيمته يرى أنها غير ذات جدوى فيبدأ في البحث عن وسيلة للتخلص منها بأيسر الطرق! وربما علم أحد القراء بصدور ديواني الأخير (كأن شيئا لم يكن) وسألني كما سألني أحد الأصدقاء في (تويتر): متى توقع ديوانك؟ فأجيبه كما أجبت ذلك الصديق: كل يوم لي توقيع.. أصطحب معي إلى المعرض عددا قليلا من النسخ وأصطاد من يعنيني وصول ديواني إليهم من الشعراء والأدباء والأصدقاء والأخلاء فأهديهم وأوقع لهم دون ضجيج أو عناء.. وقبل أن يتلقف الفكرة زملائي المؤلفون ويطبقوها أود أن أحيطهم علما بأن هذه الفكرة وئدت في مهدها، فبعد ثلاثة أيام ناجحة من (التوقيع السيَّار) اكتشفت أن أنظمة المعرض تمنع منعا باتا دخول أي كتاب بصحبة الزائر وأنني كنت أقوم بعمل مخالف طوال الأيام الماضية! خاتمة: في المعرض جناح لجامعة الملك سعود لاستبدال الكتب المستعملة شعاره: «ضع كتابا وخذ بدلا عنه كتابا آخر» وقد اعتمدت عليه في الأعوام السابقة لتجديد خلايا مكتبتي المنزلية.. قرار منع إدخال الكتب للمعرض جعل مشروع جامعة الملك سعود الرائد غير ذي فاعلية!