الدراما التي يقدمها الفيلم الأمريكي «إنها حياة رائعة» يناقش سؤالاً فسلفياً وجودياً عن معنى الحياة وعن علاقة السعادة بالحياة الجيّدة، الفيلم ببساطة يطرح هذه الإشكالية الوجودية: ما الذي يجعل الحياة بلا قيمة؟ أو ما الذي يجعل الحياة تستحق أن نعيشها؟ إنها حياة رائعة فيلم من إنتاج عام 1946 ميلادي.. على مدار امتداد تاريخ السينما، العديد من الأفلام تبحث لاستكشاف هذا السؤال: «ما الذي يجعل حياة البشر جيّدة؟» فيلم المخرج فرانك كابرا «إنها حياة رائعة» من أشهر كلاسيكيات السينما التي تحظى بشعبية واسعة ومن الأفلام التي يتم عرضها بشكل سنوي في دور عرض الأفلام العالمية؛ الفيلم يأخذ المهمة للإجابة عن السؤال بطريقة صريحة ومباشرة، ويجعلنا في مواجهة مع الحلول المتوقعة وغير المتوقعة. نبدأ أولاً في التنبؤ بالإجابة بالنتائج البديهية والمتوقعة؛ المبدأ الأخلاقي القديم يقول إن تكدست حياة الإنسان بالقيم العليا مثل الخير تصبح الذات سعيدة ونتيجةً لذلك تصبح الحياة التي نعيشها جيّدة. الشخصية الرئيسية، جورج بايلي، يقوم بأدائها الممثل جيمس ستيوارت، وفيها يقوم بالتضحية في أحلامه الذاتية وأهدافه الخاصة لأجل الوقوف مع عائلته و تقديم المساعدات لمجتمع الفقراء في القرية التي يسكنها، ولو أخذنا بالمبدأ القديم سنقول إن جورج بايلي نجح في الوصول لمعنى الحياة الجيّدة بل وصل إلى عنوان الفيلم حياة رائعة. بناءً على قصة الفيلم، أفضل ما في الحياة الممتلئة بالأخلاقيات النبيلة هي انعكاس الخير الذي يعود لذواتنا عبر الخير الذي نقدمه للآخرين. ولكن لو نظرنا بمستوى عميق إلى الفيلم نجد أنه يثير مسألة وجودية طرحها الفيلسوف اليوناني سقراط في هذا المقولة الشهيرة والمقتبسة عنه: «الحياة من دون ابتلاء لا تستحق العيش» وفعلاً قد يكون ذلك صحيحاً، الذي حمى جورج بايلي بعدما قرر القيام بالانتحار هو فرصة اختبار حياته بالاستعانة بالوسيلة الفلسفية والمبنية على التجربة في هذه المقولة بالفيلم: «والآن هذه فرصة عظيمة لك يا جورج، فرصة مشاهدة ومعرفة كيف سيكون العالم لو أنك لم تولد». (في لحظة اختبار صعبة أصبحت حياة جورج بايلي مختلفة، يبدأ الفيلم بجورج الصبي وهو ينقذ آخاه الصغير «هاري» من الغرق مما تسبب في فقد حاسة السمع في أحد أذني جورج، ثم في موقف آخر جورج الصبي نشاهده يعمل في توصيل الطلبات في صيدلية العجوز «جاوز» وفي حادثة مفجعة يتلقى فيها الصيدلي العجوز خبر وفاة ابنه، فيقوم بوضع السم الضار بالخطأ في أحد علب الأدوية ويقوم جورج بعدم توصيلها والتخلص منها مما أدى إلى ضربه وطرده من مقر عمله. في القرية التي يسكنها جورج تاجر رأسمالي بشع اسمه «بوتر» يقوم باحتكار التجارة وأماكن السكن وبالمقابل والد جورج يرعى مؤسسة صغيرة لمساعدة الفقراء، وبعد وفاة والد جورج نشاهد جورج الشاب يتخلى عن الذهاب للتحقيق أحلامه وأهدافه ليقوم بالإشراف على هذه المؤسسة الخيرية ويقوم أيضاً بالاهتمام بعائلته الصغيرة، ليبدأ بعد ذلك الصراع بين التاجر الرأسمالي البشع وبين جورج صاحب المؤسسة الخيرية والمهتم بشؤون الفقراء، ثم يذهب «هاري» أخو جورج للدراسة وينضم إلى العسكرية ويحصل على ميدالية وتكريم دولي بسبب أنه أنقذ حياة الكثير من أعوانه في الجيش. في المقابل جورج يفقد بعض الأموال المهمة لدفع بعض الإيجارات السكنية لبعض الفقراء على يد بوتر مما تسبب في توجيه تهم السرقة والنصب إلى جورج والحكم عليه بالسجن، فيقرر جورج القيام بعملية الانتحار فوق أحد الجسور ويقول «أتمنى لو أنني لم أولد قط!»، ثم يحصل جورج على فرصة فتح صفحات الماضي والتمكن من رؤية الناس والقرية لو أنه فعلاً لم يولد. بعدها يدرك جورج قيمة حياته وأن الخير مهما كان صغيراً ممكن أن يغير حياة الآخرين للأفضل. سعادته تكمن في صميم الكينونة الحياتية، مغزى الحياة الجيّدة في الجزء الذي يعيشه ولا يراه، ولكن عندما سنحت الظروف لرؤية صنيعة الخير وآثارها على الناس جعل حياته رائعة حقاً. الابتلاءات تجعل الحياة أكثر صدقاً وأكثر عمقاً في نفوسنا. بالتالي يقرر جورج مواجهة الأزمات وبتعلم أن الحياة تستحق أن نحياها وأن نعاني من أجل الفوز بها). ويشير الفيلم على أنه لو لم تُعطَ هذه الفرصة في التفاؤل والدعوة إلى التأمل لربما انتهت حياة جورج. وبما أنه أخذ الفرصة كالوقت لمراجعة نفسه ومعرفة معنى النضال الذي قدمه في سبيل مساعدة الناس، ونحن كجمهور نعرف أن حياته رائعة، ولكن يظل هو القاضي وهو الحَكم لرؤية ما الذي جعلَ حياته رائعة؟ وإن كنا لا نرى بأن حياته رائعة، هل نجح الفيلم بالقول إنَ معنى الحياة الجيّدة ينبع من داخلنا ويحدده الأثر الذي نتركه حولنا ومن خلفنا؟ - كريستن كورسجارد ** ** ** * هذه ترجمة لمقال للباحثة والأكاديمية: كريستين كورسجارد التي تعمل بروفيسور فلسفة في جامعة هارفورد -من صحيفة الجارديان بتاريخ 14 أبريل، بعنوان: أنا أتفرج إذن أنا موجود: سبعة أفلام تعلمنا دروسا رئيسية في الفلسفة. مارس 2016