إن الموت هو الحقيقة المطلقة، ولا محاد عنها. هكذا قال الله {كُلُّ نَفْسٍ ذَائِقَةُ الْمَوْتِ}، وقال سبحانه {... إِذَا جَاء أَجَلُهُمْ فَلاَ يَسْتَأْخِرُونَ سَاعَةً وَلاَ يَسْتَقْدِمُونَ}. أمام فراق الأحبة يصيبنا ألم يحزن النفس، ويدمي القلب، ويجعل الإنسان في لحظة صادمة، لا يأمل فيها إلا أن يُحسن الله خاتمته في هذه الحياة. وما يفوق الشعور بألم الفراق إلا الفقد المفاجئ والموت المباغت الذي يختطف أقرب الناس إلينا دون سابق إنذار. هذا ما حصل مع أخي وصديقي ورفيق دربي سعود بن عبدالله الكريديس، الذي غيّبه الموت الخميس 23-7-1437 إثر حادث أليم. الأخ الوفي الذي فرض على الجميع حبه واحترامه وتقديره، بخصاله النقية، وسجاياه النادرة، وشخصيته المحبوبة في تعاملها مع الناس، والمتصالحة مع نفسها والآخرين. انتقل إلى رحمة الله سعود بن عبدالله الكريديس بسبب حادث مروري ألمّ به. وقبل خروجه من المنزل اتجه نحو والدته وقبّل يديها بحفاوة بالغة؛ ما ترك أثراً عميقاً وخالداً في نفسها، وهي تتباهى فخراً وفرحاً بابنها البار سعود، وكأنه - رحمه الله - يعلم بأنها آخر جلسة تجمعه بوالدته؛ فلم يعد بعدها لمنزله ولا لوالدته ولا لأصدقائه ولا لجامعته.. ولن يعود إلى الحياة إلى الأبد. نعم، توفي سعود، ولكن قلبه الطاهر وروحه المرحة وابتسامته الطاهرة وحضوره البهي والآسر ستبقى معنا حاضرة، ولن تتغيب. تُوفِّي سعود، وترك خلفه إرثاً شامخاً من الود، وسيرة طيبة عطرة، لن تموت حتى وإن رحل جسد صاحبها؛ لأن الناس شهود الله في أرضه. فقدت أسرة الكريديس شاباً محبوباً وابناً غالياً على الجميع، وخسر أصدقاؤه ومحبوه شاباً نقياً، يحظى بتقدير استثنائي. ومهما حاولت أن أعبّر عن رحيل سعود في هذه الكلمات فإني أعترف بأني عاجز عن أن أختزل مآثره ومناقبه وشخصيته المميزة التي زيّنت طفولتي، وأثرت سنوات شبابي، وستظل كذلك رغم رحيله - رحمه الله -. أخي سعود، لا يرثي رحيلك ولا يخفف وطأ غيابك مقال واحد، بل سأحتاج لصفحات وسطور طويلة لا تنتهي؛ حتى أوصل شيئاً يسيراً مما يسكنني من وجع الرحيل وصخب الفاجعة؛ فلم تكن شخصاً عادياً حتى يكون رحيلك عادياً؛ فقد اختصرت بسماتك وخصالك معاني الرجولة والشهامة، واستأثرت بصفات الصديق الوفي والرفيق النقي، دمث الخلق، وطيب المعشر. أخيراً، عاش سعود ثلاثة وعشرين عاماً فقط في هذه الحياة الفانية، لكنه سيعيش متربعاً في قلوب أصدقائه وضمائر أهله ما بقي على العمر كله. فإلى الله، إلى جنة المأوى، والرفيق الأعلى، والكأس الأوفى.. إلى جنان الخلد إن شاء الله.