ما إن أنهى الملا أحمد النراقي المتوفى عام (1245ه) كتابه (عوائد الأيام) الذي ضمنه قوله بولاية الفقيه ولاية نيابية عامة ترتقي به لمكانة المعصوم في الاجتهاد والتشريع والشؤون العامة، وما إن اطلع تلاميذه على قوله هذا حتى انبرى له أكثر تلاميذه نجابة الشيخ مرتضى الأنصاري المتوفى عام (1282ه) منتقداً تعميم ولاية الفقيه وداعياً إلى قصر ولاية الفقيه على الاجتهاد والتقليد في الأمور الدينية والحياتية دون الأمور الحسبية التي هي حق مقصور للأئمة فقط. لم يثر كتاب النراقي فقهاء الشيعة في عصره ولم يلق له كبار مراجعهم بالاً يذكر وإن كان ورد ذكره في نصوص الشيخ النائبي المتوفى عام (1355ه) الذي اشترط أن يكون الفقيه معيناً من مجلس منتخب وكذلك الشيخ حسن الفريد المتوفى (1417ه) قال بذلك أيضاً. بعد ظهور روح الله الخميني كمرشد للثورة الإيرانية والقضاء على خصومه وخصوصاً في منظمة (مجاهدي خلق) وكذلك شركائه في الثورة من المثقفين ذوي التوجه الديموقراطي مثل (صادق قطب زاده) الذي كان أول وزير خارجية للجمهورية الإسلامية وكان معارضاً ولاية الفقيه فحكم عليه الخميني بالإعدام، وكذلك أول رئيس للجمهورية (الحسن بني صدر) الذي هرب من إيران بطريقة سينمائية بعد أن أعدم أصدقاؤه وبات مطارداً من (الباسندران)، منذ تولي الخميني كمرشد للثورة وهو يصدر الفتاوي والأنظمة التي تكرس سلطة الولي الفقيه وتجعله حاكماً مستبداً بالسلطة، ومع أن كثيراً من فقهاء الشيعة دعم الخميني في بداية عهده إلا أن كثيراً منهم تخلى عن ذلك عندما استشعروا الاستبداد والتوحد في السلطة والقداسة التي أحاط الخميني بها نفسه على الرغم من كونه لا يعد مرجعاً من المراجع العظام، لذا أعلن نائبه ذلك الحين (حسين علي منتظري) معارضته لولاية الفقيه الحسبية ودعواه لقصرها على الأمور الدينية وفصل السياسة عن الدين، فعزله الخميني وعين بدلاً منه (علي خامنئي) مع أنه لم يبلغ حينها مرتبة الاجتهاد، كما اتهم الخميني المرجع الأعلى (محمد كاظم شريعتمداري) بالردة عن الإسلام عندما أعلن معارضته لولاية الفقيه السلطوية وهاجم منزله عدة مئات من قوات (الباسيج)، ولكن حراس المرجع صدوهم وقُتل بعضٌ منهم، وكذلك فعل الخميني مع الشيخ (حسن الطبطبائي القمي) عندما قال بمعارضته لولاية الفقيه، كانت القسوة التي جابه بها الخميني معارضي ولاية الفقيه من المراجع العظام وسيلة لقمع كل من تسول له نفسه معارضة ولاية الفقيه، فقبلها معظم الفقهاء في إيران على مضض وخوفٍ من جلاوزة الباسيج، ولم يكن حظ باقي المعارضين بأفضل من حظ شريعتمداري حيث تم سجن وتأنيب ومضايقة كل من (محمد طاهر الخاقاني) و(الشيخ محمد الشيرازي) و(محمد صادق روحاني) و(الشيخ الرستكاري) و(الشيخ علي الأبطحي) الذي قتل ودفن سراً بالليل، مع ذلك كان من أشد معارض ولاية الفقيه حفيد الخميني (السيد حسين الخميني) وهو فقيه بدرجة آية الله. ثم تبعه في ذلك عدد ممن اتفق على تسميتهم بالإصلاحيين الذين وجدوا مساحة للتعبير بعد وفاة الخميني ومنهم (محمد خاتمي) و(مير حسين موسوي). في خارج إيران حيث لا سلطة للخميني على مراجع الشيعة هناك اتفق جميع فقهاء مرجعية النجف على نفي ولاية الفقيه بالصيغة التي أتى بها الخميني منهم (محسن الحكيم) و(محمد باقر الحكيم) و(أبو القاسم الخوئي) و (الشيرازي) و(محمد صادق الصدر) و(علي السستاني) و(محمد سعيد الحكيم) و(إسحاق فياض) و(محمد جواد مغنية) و(وبشير النجفي) وفي لبنان (محمد حسين فضل الله) و(محمد جواد مغنية). مع تزايد المعلنين بمعارضة ولاية الفقيه غيّر (الخامنئي) أسلوب الخميني في التضييق والسجن لأسلوب الإغراء والتمكين من المناصب والتقريب فانخدع بذلك كثير من المعارضين، ولكن الملاحظ أن (الخامنئي) لم يعين نائباً أو خلفاً له لأنه لا يثق بولاء أي من المحيطين به ويعلم أنهم إنما يتقونه (تقية)، لذا يتوقع أن يقع خلاف كبير وسط مجلس الخبراء المكون من (86) فقيهاً والموكل لهم اختيار خليفة (الخامنئي) إذا توفاه الله.