أكد رئيس ديوان المظالم رئيس مجلس القضاء الإداري الشيخ الدكتور خالد بن محمد اليوسف أن درجات التطور التي يشهدها مرفق القضاء اليوم في كافة المجالات يرسم للعيان أنموذجاً لمدى الاهتمام الكبير الذي توليه القيادة الحكيمة لمرفق القضاء. وقال الدكتور اليوسف في كلمته التي ألقاها خلال تدشينه أمس أول مدونة للقضاء التجاري في المملكة بحلة متخصصة والذي يمثّل الإصدار الأول لمجموعة الأحكام والمبادئ التجارية للأعوام من 1408ه حتى 1423ه، بحضور مستشار خادم الحرمين الشريفين صاحب السمو الملكي الأمير الدكتور عبد العزيز بن سطام بن عبد العزيز، ووزير العدل رئيس المجلس الأعلى للقضاء الشيخ الدكتور وليد بن محمد الصمعاني. إن للقضاء مكانة عليَّة, ودرجة رفيعة, فهو الملاذ الذي يفزع إليه المتقاضون؛ إذ تمثل الخاتمة القضائية بمبادئها وأركانها الشاهد العدل في كيان الدولة, وقد كانت هذه الدولة المباركة منذ تأسيسها على يد الملك عبد العزيز بن عبد الرحمن - طيب الله ثراه - أنموذجاً فريداً في العناية بهذا الخاتم القضائي العادل, حيث حملت على عاتقها بإيمان ويقين أن تكون الشريعة الإسلامية الحاكمة على كل أنظمتها وكافة شؤونها. وقد كان مرفق القضاء بسيرته ومسيرته شاهداً في تماسك لافت قوي من ملوك هذه الدولة المباركة على الرعاية والعناية الفائقة بهذه الأصول, متمسكة بثبات استمدادها من الكتاب وسنة رسول الله - صلى الله عليه وسلم -, استذكاراً لأصل تأسيسها وسمو كيانها, حافظة لهذا المرفق استقلاله وقوته؛ ليكون سلطاناً عادلاً حازماً. وأشار الدكتور اليوسف إلى أن القضاء ذا رسالة مستقلة سامية, فإن له خاتمة هي المنتهى والمطلب وهي (الحكم القضائي)؛ فهو الغاية المنشودة للعملية القضائية, والمطلب الثمين لكل الباحثين في الشأن القضائي, يرومون مطالعته وقراءته معرفياً ونقدياً, ولا يتأتي ذلك إلا بتصنيف هذا الحكم القضائي ونشره أمام الكافة, شاهداً على كيان حضاري قضائي محكم لمبادئ دولة حكيمة؛ لتكون بصيرة القضاة والفقهاء والباحثين ممتدة له بما يثري ويرتقي بالاجتهاد القضائي, مضيفاً وعياً حقوقياً لدى الكافة. لافتاً إلى أنه وإدراكاً لأهمية التمحيص والتحقيق والنقد العلمي القائم على الأطر والمناهج العلمية الرصينة؛ وامتثالاً لنص المادة الحادية والعشرين من نظام ديوان المظالم المتضمنة تصنيف الأحكام الصادرة من الدوائر القضائية التابعة له ونشرها؛ فقد اضطلع الديوان بهذه المهمة, وتحمل مسؤولياته - وفق خطة مرسومة - على أن تكون كافة الأحكام التي أصدرها, منشورة مصنفة, بين يدي المختص, وقريبة من الباحث, وتحت نظر القارئ, بإخراج مبسط, وحلة في متناول الجميع؛ مستلهماً في هذا العمل استكمال النهضة القضائية غير المسبوقة, التي اهتم بها استقلالاً ودعماً خادم الحرمين الشريفين الملك سلمان بن عبد العزيز وقد حمل ديوان المظالم على عاتقه ولاية القضاء التجاري من عام (1408ه), مما تنامت معه ثروة قضائية مميزة من الأحكام, وكانت جديرة بالحصر والقراءة الفاحصة, ثم التصنيف والنشر؛ سعياً لإكمال المنظومة القضائية العلمية في هذه المرحلة الرائدة من تاريخنا القضائي المعاصر. وأضاف: اليوم يطلق ديوان المظالم أول مدونة للقضاء التجاري بحلة متخصصة في المملكة شملت ما يربو على العقد ونصف العقد من الزمن كإصدار أول إلى عام 1423ه؛ وستليها - بإذن الله تعالى - المرحلة الثانية التي سترى النور - بإذن الله - قريباً حتى يكتمل عقد مدونات ديوان المظالم تباعاً إلى عامنا الحالي - بإذن الله - لافتاً إلى أن الديوان وهو يضع هذه الأحكام والمبادىء بين يدي ذوي الشأن يرجو أن يكون عمله متوجاً برضا الله, وموضع قبول, وفائدة متحصلة, مسهماً في اكتمال المنظومة العلمية القضائية, والثراء المعرفي الشرعي والنظامي؛ أداءً للأمانة التي حُمِلْنَاها, ثم للثقة الكريمة التي أولانا إياها خادم الحرمين الشريفين. إلى ذلك أشار رئيس فريق تصنيف الأحكام التجارية الشيخ الدكتور طارق العمر إلى أن القضاء فريضة محكمة, وخطة مرسومة, يتحقق به النصفة, وتطمئن بقيامه النفوس, وتاجه وعنوانه الحكم القضائي, المؤسس على أحْسن الطّرائق وأجْمل الْقواعد, فهو الخاتمة المبتغاة, تطرح في قبة مجالسه الاجتهاد العلمي الرصين, وتنزل حكايات الواقعات على مناسباتها وحالها, مؤطراً ذلك بشرع مطهر, ووفق قواعد عادلة, يستوى فيها الجميع وهو مبتغى الباحثون يسترشدون به، وينهلون من مخرجاته, وأسبابه؛ إذ هو الواقع العملي التطبيقي على مدونات فقهية ونظامية تناولتها الجهات الأكاديمية بالبحث والدراسة. وأضاف: وإدراكاً لأهمية التمحيص والتحقيق العلمي, القائم على الأطر والمناهج الرصينة؛ فقد دأب ديوانُ المظالم على نشر مبادئ أحكامه القضائية, وذلك من عام (1397ه), ثم تتابعت مدوناتُه ومجموعاتُه, واستكمالاً للمسيرة, واستشعاراً بعظم المسؤولية, وامتثالاً لاستحقاق نظامي, صدر قرارُ رئيس ديوان المظالم, بتشكيل فريق قضائي, بإشراف مباشر منه, يتولى تصنيف الأحكام القضائية التجارية ونشرها, وذلك من حين إسناد ولاية القضاء التجاري إلى ديوان المظالم, في بداية السنة المالية لعام 1408ه. وقال: ابتدأ الفريق هذه المهمة مستعيناً بتوفيق الله وتسديده, بالتأكيد على مناط الأحكام القضائية المراد نشرها, والتي يتطلب الوصول إليها البحث المستقصي في فترة ممتدة قاربت الثلاثة عقود, فكان منطلق البحث أحكام دوائر التدقيق, بهدف الوصول إلى ما انتهى إلى موافقة الحكم الصادر من الدوائر الابتدائية في نتيجته وسببه, والذي تطلب مجهوداً مضاعفاً وعملاً مضنياً في البحث عن ركام أرشيف تطاول عهده؛ حيث كان صدور أول حكم قضائي من هيئة تدقيق القضايا (الدائرة الرابعة) بتاريخ (11/8/1408ه). وأوضح الدكتور العمر أن دوائر التدقيق أصدرت في الفترة الزمنية الأولى التي خرجت بها هذه المجموعة والكائنة من بداية عام (1408ه) وحتى عام (1423ه), ما يقارب الثلاثة آلاف حكم تدقيقي, نظمتها في عشرين ألف وثيقة, كان المؤيد منها يربو على ألفي حكمٍ مؤيّدٍ لأحكامٍ ابتدائية صادرة من دوائر قضائية تجارية, هي نواة هذه المدونة, ومحل عمل الفريق, قراءة, ومراجعة, وتصنيفاً, والتي باشر ترتيبها وفق منهج منطقي تراتيبي, مبتدئاً بالأبواب المتعلقة بالجانب الشكلي من اختصاص ودعوى, ثم التطرق للأحكام التي فُصل في موضوعها, والتي روعي في ترتيبها موافقةُ التقديم والتأخير في النص النظامي الحاكم, حيث استُهل بالأحكام التي تناولت عقوداً تجارية, ثم المنازعات الداخلة في نظام الشركات, ثم تصنيف الأحكام والمبادئ المتعلقة بالتحكيم التجاري والملكية الفكرية, وختمت بفهارس تفصيلية شاملة كاشفة لما احتوته المجموعة من أحكام وموضوعات, موصلة لمراد الباحثين, وقد تم رصد ذلك وتسطيره وفق منهج درجت عليه مدونات الديوان, وذلك بعرض أحكام الدوائر الابتدائية المؤيدة بوقائعها وأسبابها، معنوناً ببيانات الحكم التي توضح بدقة الظرف الزمني الواقع فيه الاجتهادُ القضائي؛ باعتبار أنه منذ ذلك التاريخ أصبح نافذاً يحمل الحجة بذاته, ثم الكشف عما تضمنه الحكم من أنظمة ولوائح وموضوعات رئيسة تُعد أساساً في التصنيف والفهرسة، ومفتاحاً للوصول لما تضمنته الأحكام مع عرض ملخص للقضية يُوجز موضوعات الدعوى، والأسباب التي قام عليها الحكم. وأكد الدكتور العمر حرص الفريق, ومن قبلهم رئاسة الديوان, أن يكون هذا الإصدار متوخياً لأدق أساليب التدوين المعاصر, في رصدٍ ثمين متين, ورصفٍ بديع مستبين.. مع رصدها إلكترونياً في وسائط حاسوبية يسهل حملها وقراءتها, إضافة إلى إتاحة الوصول إليها عبر بوابة ديوان المظالم على الشبكة العالمية. وفي ختام الحفل سلَّم رئيس ديوان المظالم دروعاً تكريمية لسمو الأمير عبد العزيز بن سطام ووزير العدل ولرئيس فريق تصنيف الأحكام التجارية الشيخ الدكتور طارق العمر.