جرى الحديث مؤخراً عن أن اقتصادنا عانى خلال الفترة الماضية من المرض الهولندي. والمرض الهولندي تعبير يصف الوضع الذي مر به الاقتصاد الهولندي أوائل ستينيات القرن لماضي بعد اكتشاف الغاز الطبيعي وما ترتب عليه من ارتفاع في القيمة الحقيقية للعملة الهولندية نتيجة التدفق الكبير للنقد الأجنبي إلى البلاد مع ارتفاع صادراتها من الغاز الطبيعي. وسمي مرضاَ لما تسبب به ارتفاع قيمة العملة الهولندية من تأثير سلبي على تنافسية المنتجات الصناعية الهولندية انعكس سلباً على أداء قطاعها الصناعي. ورغم أن سعر صرف الريال ثابت لم يتغير أمام الدولار، إلا أن ارتفاع الطلب المحلي على السلع والخدمات مع النمو الكبير والمستمر في معدلات السيولة المحلية نتيجة نمو الإنفاق الحكومي بمعدلات عالية مع ارتفاع إيرادات النفط، تسبب في ارتفاع كبير في معدلات التضخم. هذا الارتفاع في معدلات التضخم يعني ارتفاعاً في القيمة الحقيقية للريال حتى مع بقاء سعر الصرف الإسمي للريال ثابتاً دون تغيير ما يجعل الاقتصاد عرضة لهذا المرض. فمع ارتفاع معدلات التضخم المحلية ترتفع تكلفة إنتاج السلع محليا، ما يجعلها غير قادرة على منافسة السلع لمستوردة فيضمر إنتاج السلع المعرضة لمنافسة السلع المستوردة. وبما أن السلع الصناعية تأتي على رأس السلع المتعرضة للمنافسة الخارجية، فإن قطاع الصناعة يصبح غير قادر على النمو، وتصبح عملية الإنتاج في الاقتصاد مركزة في إنتاج السلع غير المعرضة للمنافسة كسلع الخدمات مثلا. لذا ورغم كل حديثنا عن تنويع الاقتصاد وتقليل الاعتماد على قطاع النفط فإننا لم تستطع تحقيق أي تقدم يذكر، باعتبار أنه لا مجال لذلك طالما أن القطاع الصناعي غير قادر على النمو والتطور. ولعل من أوضح مظاهر معاناة اقتصادنا من أعراض المرض الهولندي حدوث ارتفاع كبير في أسعار الأراضي والعقارات والأصول المالية خلال الخمسة عشر سنة الماضية، أي نمو الأنشطة المضاربية على حساب الأنشطة الإنتاجية. والدول المصدرة للموارد الطبيعية الناضبة التي نجحت في تجنيب اقتصاداتها أعراض هذا المرض المدمر للنشاط الاقتصادي الحقيقي تمكنت من ذلك من خلال تقييد نمو الإنفاق الحكومي والمحافظة على استقرار معدلاته، من خلال سياسات استهدفت جعل هذا الإنفاق مستقل تماما عن أداء السوق العالمية للمورد الذي تعتمد على إنتاجه، ما حد من الضغوط التضخمية المحلية وأوجد بيئة تشجع على تحسن مساهمة قطاعات الاقتصاد الحقيقي الأخرى في النشاط الاقتصادي.