أحد أهم أسباب تردي الأوضاع الاقتصادية في الدول الغنية بالموارد الناضبة هو عدم تبنيها لسياسات تعزل اقتصاداتها عن التأثير السلبي، لتدفقات النقد الأجنبي إلى اقتصاداتها الناتجة عن ارتفاع إيراداتها من تصدير مواردها الطبيعية ضمن الظاهرة التي تُعرف بالمرض الهولندي. ويُقصد بالمرض الهولندي أنه مع زيادة تدفق النقد الأجنبي من صادرات الموارد الطبيعية، ترتفع القيمة الحقيقية للعملة المحلية، فتفقد المنتجات المحلية قدرتها التنافسية في السوق المحلية والعالمية، ما يتسبب في تراجع أداء القطاع الصناعي، وبالتالي عدم قدرة تلك البلدان على تنويع اقتصاداتها بعيداً عن قطاع الموارد المزدهر. وترتفع القيمة الحقيقية للعملة المحلية من خلال حدوث انخفاض اسمي في سعر الصرف، إن كانت العملة المحلية معومة ولا تخضع لسعر صرف ثابت، وفي حال خضوع العملة المحلية لسعر صرف ثابت، كما هو حال الريال السعودي مثلاً، فإن ارتفاع الطلب المحلي على السلع والخدمات مع زيادة تدفقات النقد الأجنبي إلى البلاد يسهم في ارتفاع معدلات التضخم محلياً، ما يتسبب في ارتفاع القيمة الحقيقية للعملة المحلية، أي انخفاض سعر صرفها الحقيقي، حتى وإن بقي سعر صرفها الاسمي ثابتاً دون تغيير. وهناك عدد محدود جداً من الدول الغنية بالموارد الطبيعية الناضبة التي نجحت في تجنب هذه المشكلة، ويأتي على رأسها النرويج وتشيلي، وقد تمكنت من تحقيق ذلك من خلال تعقيم اقتصاداتها من التأثير السلبي لتدفقات النقد الأجنبي بوضعها قيوداً صارمة تحد من نمو الإنفاق الحكومي بمعدلات مبالغ فيها، وبإلزامها للجهة التي تتولى استثمار فوائضها المالية باستثمارها خارجياً وعدم السماح لها مطلقاً بالاستثمار محلياً تحت أي ظرف كان، ما ضمن لها المحافظة على توازن سوق النقد الأجنبي وجنَّب الاقتصاد المحلي أي ضغوط تضخمية كان يُمكن أن يتسبب فيها حدوث نمو كبير في السيولة المحلية نتيجة ارتفاع الإنفاق الحكومي بمعدلات مبالغ فيها أو بسبب الضغط على أسواق الأصول المحلية نتيجة استثمار فوائضها المالية محلياً. لذا من المستغرب جداً أن يكون لدينا الآن اتجاه لأن تستثمر شركة سنابل وهي الذراع الاستثمارية لوزارة المالية في سوق الأسهم السعودية والذي يعني أننا لم نكتف بالتأثير السلبي الناتج عن الارتفاع المتواصل المبالغ فيه في معدلات الإنفاق الحكومي وما ترتب عليه من ارتفاع في معدلات التضخم وتشجيع للأنشطة المضاربية، والذي يتجلى في الارتفاع الهائل في أسعار العقارات حالياً وقبلها في سوق الأسهم قبل انفجار فقاعتها في عام 2006 وفي الارتفاع الكبير في معدلات التضخم المحلية بمعدلات أعلى بكثير من مستوياتها عالمياً، وإنما أيضاً سنفاقم من المشكلة وسنُحكم دائرة المرض الهولندي باستثمار فوائضنا المالية محلياً. [email protected] أكاديمي وكاتب اقتصادي *** on twitter @alsultanam