كتب الدكتور جاسر الحربش مقالاً بعنوان (ما هو الثابت والمتغير في المجتمعات والدول التقليدية؟)، وذلك في العدد 15826 وبعد قراءتي لمقاله وجدت بعض التناقض في سرد مضمونه، وبما أن علينا واجب التنبيه؛ لذا آمل من سعادة رئيس تحرير صحيفة الجزيرة نشر وجهة نظري من ناحية مقال الكاتب الدكتور/ جاسر الحربش. عند قراءة مقال الدكتور جاسر وجدته يتكلم عن الثابت والمتغير في المجتمعات من الناحية الاقتصادية، وقارن التطور الاقتصادي في اليابان وكوريا الجنوبية وما وصلت إليه من صناعات، ولا شك أن التطور الاقتصادي حثت عليه مجاميع الكليات والمجتمعات ولكن فوجئت عند مقارنته ببقية العالم الإسلامي حيث قال: (بقية العالم الإسلامي لا تزال واقفة منذ عشرات السنين عند مفترق الطرق. العالم العربي يحدث فيه ما هو أسوأ، الذي هو الرجوع إلى الوراء بدل التقدم إلى الأمام، بتبرير المحافظة على الأصالة الشرعية والأخلاقية والترابط الاجتماعي، والنتيجة تدمير كامل لدول ومجتمعات وتشريد واسع لشعوب ومجاعات وأوبئة. باكستان وبنقلاديش تحاولان عبور نقطة التحول الحرجة، لكن الأصوليات المذهبية والإقطاع والتربح بالأديان والأعراق تشل الحركة تماماً عند مفترق الطرق ومنذ عقود).. كيف يقارن الكاتب د/ جاسر اليابان وكوريا الجنوبية كدولة مع العالم الإسلامي كرابطة دول إسلامية هذا ابتداء ومن ثم أين المفترق الذي توقف فيه العالم العربي ؟ ثم لا أعلم سياسة المقال اقتصادي أم اجتماعي أم تفرقة شعوب وديانات، وكما أن في نظر الكاتب الرجوع إلى الوراء سببه الأصالة الشرعية والأخلاقية والترابط الاجتماعي في نظري هذا المقال (في وادٍ وكاتبه في وادي ثانٍ) حيث إن الاقتصاد الإسلامي جزء من الإسلام وهو مرتبط ارتباطاً تاماً بالدين فلا تنفصل الأنظمة الاقتصادية في الإسلام عن المبادئ والقيم والأخلاق التي جاء بها الإسلام، وبما أن الاقتصاد الإسلامي اقتصاد أخلاقي، ولا يفصل بينهما بخلاف الأنظمة الاقتصادية الأخرى فمن أخلاق التاجر المسلم السماحة و الصدق و الأمانة والنصح والقناعة والتواضع والرحمة والابتسامة وغض البصر وعدم رفع الصوت، وقد كان لهذه الأخلاق أثر كبير في انتشار الإسلام، ولاسيما في إندونيسيا والصين، والأصالة الشرعية تنفرد في وجود الزكاة كمورد ينفرد به الاقتصاد الإسلامي، وهي أشبه شيء بالضرائب، لكنها ضرائب على المدخرات، لتشجع على استثمار المال بدلا من كنزه، مما يدفع عجلة الاقتصاد والإنتاج للدوران فكيف تكون هذه المبادئ سببا في الرجوع للوراء وسببا في تدمير المجتمعات، إن سبب تدمير المجتمعات هذه الكتابات الساقطة عن الأصالة وعن عدم وعي بالتدريج التأسيسي في تدرج الجُمل وترابطها ببعضها فليس كُل كاتب يحقق من كتاباته الأمل للأمم. وبما أن المقال جاء بصيغة السؤال، عليه فقد اطلعت على بحث كتبه الدكتور / عبد الله بن عطا في ما هو الثابت والمتغير في منهج الإسلامي وفيه قال: (يوازن الإسلام منذ اليوم الأول بين الثابت والمتغير، بحيث لا يطغى أحدهما على الآخر، فلا يتحول الثابت إلى جمود، ولا يتحول التغيير إلى انفلات، ويجعل الإسلام الثابت هو الأساس، ويضع القواعد الثابتة، ويجعل التغير تابعاً ومحكوماً لها، ويظهر هذا في العديد من آيات القرآن الكريم، وأحاديث النبي صلى الله عليه وسلم. ولا شك أن الثابت كان وما يزال من خصائص الإسلام، التي تميز بها على سائر الملل والأديان، ولا شك أن تحديد الثابت والمتغير في الإسلام لم يكن من القضايا والأمور الشائكة في تراثنا الإسلامي العريق، كما أصبح عليه الحال في أيامنا هذه) إلى أن قال: (ومما ينبغي التنويه إليه أن هذا الثبات فيها في مثل هذه الحقائق والتعاليم وأمثالها ليس مطلقاً شاملاً، وأن المتغير الذي يكون في الفرعيات والأساليب ليس مطلقاً، ولا يمكن لأمةٍ من الأمم أن تحيا أو تقيم حضارة إذا كان كل شيء في حياتها ثابتاً كأنه قوالب جامدة، ولا يمكن أن تحيا كذلك إذا كان كل شيء في ثقافتها متغيراً، من هنا كانت أهمية التوازن الدقيق بين الثوابت والمتغيرات في أحكام الإسلام وتعاليمه، وكانت ضرورة تحديد المبادئ الثابتة، وبيان أن التغير إنما يكون في الفرعيات وفي الأساليب والوسائل، والوقوف على أهمية وجود التناسق بين الثابت والمتغير، وضرورة ضبط المتغيرات بالثوابت).. وعلى كل ما تقدم فإن الكاتب خانه التعبير في المقارنة بين الدول الإسلامية والدويلات ولو اطلع على مفهوم الثابت والمتغير في الشريعة الإسلامية لكان له نقطة تحول في كتابة موضوع آخر، وبما أن الأمر أخذ واتسع فأطالب الدكتور / جاسر الحربش بالاعتذار للدول الإسلامية والعالم العربي عما كتبه؛ ففي وجهة نظر إساءة لأن العالم العربي معهود بتاريخه المشرق في الاقتصاد ولو كان الأمر يتسع لسردت ما يبهر العقول من صور مشرقة في الاقتصاد والإنتاج، وبهذا فإن الاعتذار أو تصحيح المقال من صفات المثقف بمصطلحه ومنطوقة.