أثارت مقاطع الفيديو المحتوية على بعض مظاهر السلوك الاستهلاكي التبذيري استياء الناس، ليس فقط لأنها تدل على تدني مستوى الوعي لدى المتورطين فيها وإنما أيضاً لأنها أقرب إلى الكفر بالنعمة، وخصوصاً أن الذين يجاهرون بها ويصورونها ويبثونها في اليوتيوب يعلمون أن شعوباً كثيرة في العالم تعاني من الفقر والمجاعات بما في ذلك العديد من الشعوب العربية والإسلامية القريبة منا. لكن السؤال الذي يجب أن نواجه به أنفسنا جميعاً، طالما أننا ننتقد السلوك الذي شاهدناه في تلك المقاطع، هو: هل نحن في حياتنا اليومية وفي نمط سلوكنا الاستهلاكي غير متورّطين بمظاهر تبذيرية حتى وإن كانت أقل سوءاً مما شاهدناه في المقاطع المشينة؟! لا شك في أن السلوك الاستهلاكي في مجتمعنا السعودي، ومجتمعاتنا الخليجية عموماً، يتسم بالتبذير والهدر سواء في حياتنا اليومية العادية أو في المناسبات التي نقيم فيها المآدب والحفلات. نحن متورّطون حتى العظم في مسالك استهلاكية يرفضها العقل والدين والذوق السليم، ونحن نمارسها ونعلم أنها خطأ ولكننا لا نملك الشجاعة أن نواجه عادات وتقاليد المجتمع حتى وإن كانت بالية ولا مكان لها في زمن العلم والانفتاح على العالم. يقول وزير الزراعة عبدالرحمن الفضلي، على هامش ورشة عمل عُقدت في المؤسسة العامة للحبوب بالرياض،إن متوسط كمية الغذاء المهدر سنوياً لكل فرد في البلدان الفقيرة يبلغ 11 كيلو جراماً، وفي البلدان المتقدّمة 115 كيلو جراماً. أما في المملكة فإن متوسط كمية الغذاء المهدر لكل فرد تبلغ 250 كيلو جراماً!! أي أن متوسط ما نهدره يبلغ حوالي 23 ضعفاً مما يتم هدره في البلدان الفقيرة وأكثر من ضعفي ما يتم هدره في البلدان المتقدمة. وبالرغم من أن هذه الإحصاءات مرعبة فإنني أظن أن الواقع أسوأ مما توحي به الأرقام بكثير. والهدر والتبذير في سلوكنا الاستهلاكي يتجاوز الهدر الغذائي فقط ويشمل هدرنا وتبذيرنا في استهلاك الماء لدرجة أننا نستهلك أكثر بكثير مما يستهلكه الفرد في البلدان التي توجد فيها البحيرات والأنهار ويسقط فيها المطر بشكل دائم!! وقد كان موضوع الهدر والتبذير هو الموضوع الموحّد لخطباء الجمعة الماضية في جميع جوامع المملكة وذلك بتوجيه من وزارة الشؤون الإسلامية، وهذه المبادرة تستحق الشكر لكنها لا تكفي لمرة واحدة، بل يجب أن تتواصل لكي ينتشر الوعي بين الناس، ولا بد أن تواكبها حملات توعية في المدارس وفي أجهزة الإعلام وفق أساليب مُقْنِعة غير تقليدية. ظاهرة الهدر والتبذير الاستهلاكي الغذائي وغير الغذائي لا تليق بمجتمع يتباهى بقيمه وأخلاقه وليس لها مكان في زمننا الحاضر وفي عالمنا المتحضّر ويجب أن نشارك جميعاً في القضاء عليها بأن نبدأ بأنفسنا.