انتقل إلى رحمة الله صاحب السمو الأمير الكريم سعود بن محمد بن عبدالعزيز آل سعود يوم الثلاثاء 18-3-1437ه، وأديت صلاة الميت عليه بعد صلاة المغرب بجامع الإمام تركي بن عبدالله بالرياض، وقد أمّ المصلين سماحة مفتي المملكة الشيخ عبدالعزيز بن عبدالله آل الشيخ، وكان على رأس الحاضرين خادم الحرمين الشريفين الملك سلمان بن عبدالعزيز وولي العهد وولي ولي العهد، وعدد كبير من الأمراء والوجهاء، والمواطنين، بعد معاناة طويلة مع بعض الأمراض -رحمه الله رحمة واسعة-. ولقد نشأ منذ فجر حياته في بيئة علم وأدب في منزل والده العالم الزاهد الأمير محمد بن عبدالعزيز آل سعود، الذي يعد مجلسه ملتقى للعلماء وطلاب العلم، ووجهاء المجتمع، لما يلقونه من تكريم وحسن استقبال، وسماع ما يقرأ فيه من كتب شرعية مفيدة، وسير ووقائع عامة تُثري حصيلة السامعين عن أخبار من مضوا من مشاهير الأمم السالفة، فمجالسه مفتوحة لا تُمل أبداً، أحاديث شيقة تلذ الآذان لسماعها، وقد سار الأمير سعود على منهج والده، في استقبال من يؤمه من الأخيار، ومن الضعفة والمساكين الذين تقسو الحياة عليهم فتمنحهم كفاه النديتان: وكان معظماً لشأن الصلاة حريصاً على التبكير إليها..، عفيف اللسان عن أعراض الناس..، كما أنه كثير الأضياف والزوار، فكل واحد منهم يظن أنه هو الوحيد لحفاوته به..، وكان باراً بوالده كثير الصحبة معه..، وقد أنعم الله عليه ببر أنجاله وأحفاده له..، وقد فرّج الله على يديه كربات كثيرة، حيث أعتق من القصاص رقاباً عدة..، مع ما يبذله من مبالغ باهظة لتسديد ديون..، وشراء مساكن لأيتام وأرامل كُثر: كما كان شاعراً وولوعاً بجيد الأشعار، وكأني به يردد في خلواته بعض القصائد متذكراً هذا البيت: وقد طبع على حب الرحلات البرية، ومواطن القنص ولا سيما في مواسم الربيع وجمال الطبيعة، فالقنص والاستمتاع بالصيد يعد من متع الحياة وجمالها، فيحرص على إعطاء النفس حظها ونصيبها من المتع المباحة قبل أن تغمض عيناه، وهو يردد في خاطره قول الشاعر المتنبي: ولقد سعدت بالسلام عليه أول مرة بمنى في موسم حج عام 1383ه -تقريباً- ولأجل السلام على والده الأمير العالم الجليل الذي مَنّ الله عليه بحسن العبادة والطاعة وبالحج كل عام، فاستقبلني استقبال مُحبّ لمن يزوره، فلما علم أني ابن صاحب والده فرح بي، وأكّد على أن يكون التواصل معه في قصره بالرياض كلما تسنح الفرص..، ومعلوم أن والده الكريم من أحِبّة والدنا العالم الزاهد الشيخ عبدالرحمن بن محمد الخريف، وقد زاره في منزلنا بحريملاء زيارة أخوية عام 1381ه وكان التواصل بينهما عبر الرسائل الخطية، ومنها الرسالة الجميلة التي بعثها لوالدنا بتاريخ 5-7-1382ه، وقد ذكرت صورة منها في كتابي الجزء الثاني «فقد ورثاء» صفحة 28 حيث وضعتها في آخر كلمتي التأبينية في سمو الأمير الكريم محمد -تغمدهما الله بواسع رحمته- فكل سنة أحج فيها ولمدة أربع سنوات متتابعات في أواسط الثمانينيات أنتهز الفرصة للسلام عليه في هاتيك البقاع الطاهرة يوم عرفة فأجده خلف الصخرات خلف جبل «ألال» أو إلال، بعد صلاة العصر وقبل غروب الشمس، وبجانبه نجله الأكبر الابن البار سعود- أبو خالد، وعلى يمينه الشيخ الملازم له في كثير من الأوقات الشيخ فهد بن عبدالرحمن الحمين، فأبدؤهم بالسلام مُقبلاً مابين عينيه داعياً المولى أن يتقبل دعواتهم وحجهم المبرور..، كما لا أنسى توقف سيارته بجانبي في عام من الأعوام..، رحمه الله حينما رآني أسير في شارع «الجودرية» محاذياً سوق الليل بمكة المكرمة، وهو في طريقه إلى المسجد الحرام، فسألني عن والدي بحفاوة ولطف، ثم حمّلني السلام إليه..، وكانت له مع والدنا علاقة أخوية وودية منذ حضورهما في مجالس وحلقات تلقي العلم لدى فضيلة الشيخ سعد بن عتيق قاضي الرياض -آنذاك- وهو يعتبر بمنزلة الزميل -رحم الله الجميع- كما لا أنسى حضور العالم الجليل الأمير محمد بن عبدالعزيز آل سعود لمجلس سماحة مفتي الديار السعودية الشيخ محمد بن إبراهيم آل الشيخ بعد صلاة كل فجر في مسجده بدخنة الآهل بأعداد كبيرة من طلاب العلم الذين يتلقون العلم على يد سماحته..، فالأمير يحضر كمستمع ومستفيد بما يتفوه به شيخنا شيخ الجميع..، وكنت ضمن طلاب الشيخين الشيخ محمد وأخيه الشيخ عبداللطيف بن إبراهيم عامي 69-1370ه ويظهر أن التأبين هذا قد تحول إلى مشاركة الوالد مع ابنه البار في هذه العجالة -رحمهما الله- ورحم مشايخنا جميعاً.. وهذا من بعض الذكريات الجميلة الحبيبة إلى قلبي، التي لا تغيب عن خاطري مدى العمر مع الأمير سعود ومع والده الأمير المحبوب..، ولقد عمل الأمير سعود -أبو خالد- أعمالاً خيرية وإنسانية يتعذر عدها وحصرها لكثرة إحسانه على الفقراء والمساكين من أيتام وأرامل وغيرهم، راجين من المولى مضاعفة أجره وحسناته. ولئن غاب شخصه عن أحبته فإن ذكره الطيب وأعماله الجليلة باقية في ذاكرة الزمن مدى الأعوام: تغمد الله الفقيد بواسع رحمته وألهم ذويه وأبناءه وبناته وأهله وأحبته والأسرة المالكة الصبر والسلوان. - عبدالعزيز بن عبد الرحمن الخريف