مساء يوم الثلاثاء الماضي اختلطت مشاعر الحزن العميق مع السحب وظلمة السماء وأصوات الناس وهي توثّق الحدث من داخل بيوتها ومن الشوارع والأسواق، كنت في البداية أعتقد أن التغريدات من تطوع الفائض: بيتي واستراحتي عائلية مفتوحة للمتضرّرين من السيول، أي عائلة متضرّرة من الأمطار تتجه إلى شاليهاتنا، مسكني لأهالينا ممن تضرر من المطر، استراحة كبيرة وشاليهه للمتضررين من السيول. هذه تغريدات هشتقات نشرت على التواصل الاجتماعي (عيال - علي - أهل - الفزعة- كلنا - دفاع - مدني) وجاءت عبر الواتس أب من جميع مناطق القصيم، تخاطب سكان بريدة في القصيم بعد ليلة ماطرة، واعتبر البعيد عن الحدث أن التغريدات حماس أشخاص يسكنهم هاجس التطوع وفعل الخير، ولكن مع خروج أمير القصيم الأمير فيصل بن مشعل بن سعود من اجتماعه يرافقه معظم مديري قطاع الخدمات بمنطقة القصيم ومدينة بريدة والجولة الميدانية على المدينة وإعلان أمير المنطقة: إخلاء أكثر من 1200 شخص وإيواء وإسكان 90 عائلة عدد الأفراد (653). ومع الصور التي كشفت حجم الكارثة أدرك الجميع أن بريدة تمر بحالة كارثية نتيجة السيول التي حولت الطرق الرئيسة إلى مجاري أودية، والشوارع الداخلية إلى أحواض مغلقة، والأحياء السكنية الجديدة إلى بحيرات حبست الناس وحاصرتهم، والطرق الدائرية إلى سدود حولت الأمطار إلى مياه ارتدادية انساحت للداخل وفاقمت من احتباس المطر في الأحياء السكنية. بريدة لمن لا يعرفها هي أنموذج للمدن التي ولدت حضارياً من رحم النفود، هي إحدى حواضر نفود الغميس في الأزمنة القديمة التي زرعت داخل نفود الغميس - الغميس التسمية القديمة لنفود الغماس الحالي - في شقيه الشرقي والغربي، حيث يضم الغميس بعضاً من المدن الكبرى في القصيم منها: بريدة، عنيزة, البكيرية، البدائع، الخبراء، الهلالية، ويضم الغميس أيضاً المئات من قرى الخبوب والمراكز، والأرياف والقرى الزراعية. ولمن لا يعرف بريدة جغرافياً عند نشأتها الأولى في الاستيطان القديم اختيرت أن تكون منخفضة عمَّا حولها على ضفاف أودية قديمة الودي والفاجرة عبر الشريط الطولي الممتد من الجنوب إلى الشمال الذي يمثّله طريق الملك عبدالعزيز (الخبيب سابقاً)، وبريدة شبه جزيرة في صحراء يابسة تحيط بها بحار الرمال من جهاتها الثلاث: الغرب، الجنوب، الشرق. لكن كارثة السيول لم يأتها من الاستيطان القديم الذي خطط قبل مئات السنين؛ لأن السكان الأوائل كانوا يحترمون الأودية والروافد وشعاب التغذية، الكارثة جاءت من المخططات الاقتصادية الأولى في شمال بريدة، التي أنشئت في منتصف الثمانيات الميلادية (1985م), نفذت على أراض كانت مجاري أودية ومنخفضات وتجويفات ودحول ومنكشف حافات - جرف الحافة - وحزوم، وهذا تقريباً تركيبة بعض أراضي شمال بريدة، حيث ساهم هذا العامل بأمر الله مع عامل نقص خدمات تصريف السيول، وعامل عدم جاهزية قطاعات الخدمة للأمطار الثقيلة رغم التحذيرات المتكررة من الدفاع المدني - ساهم - في وقوع كارثة بريدة نوفمبر 2015م.