هناك من يحيا بالقراءة هذه حقيقة وليست ضربا من الخيال، وهو ما تؤكده مجاميع القراء التفاعلية التي نجدها مبثوثة على مواقع التواصل الاجتماعي، إضافة إلى كم لا بأس به من الحسابات الفردية التي تتبنى هذا التوجه أيضا ويقدم أصحابها أنفسهم كمهتمين بعالم المعرفة والكتب، كما يقدم بعضهم من خلالها خلاصات للعديد من الكتب التي يقومون بقراءتها ما يحفز المتابعين لهذه المجموعات والحسابات في البرامج المفتوحة على اقتناء وقراءة مؤلفات مما يتم استعراضه، أو على أقل تقدير أخذ فكرة عامة عنها فيما يجني الثمرة الأكبر المنتسبين إليها. وتلعب المجاميع برأيي الدورا الأهم والأكبر في التحفيز على القراءة والتوعية بقيمتها ودورها الحيوي والفاعل في الحياة ليس لشريحة دون أخرى، بل للجميع إذا ما عرفنا بأن بعض هذه المجاميع تضم ضمن أعضائها أفرادا متنوعين من المجتمع ليس لبعضهم علاقة مباشرة أو نفعية بمجتمع الثقافة والأدب، كما أنه ليس لبعضهم هدفا خاصا من هذه القراءات المتعددة والمتنوعة سوى المتعة الخالصة أو محاولة اكتشاف معاني أعمق لأبجديات الحياة واستيعاب أكبر لمجرياتها. ورغم ذلك فمكاسبهم منها لا تعد، فإلى جانب اجتراح متعة القراءة وتعمق الوعي هم أيضا يواجهون بهذا الشغف المتنامي للمعرفة مصاعب الحياة وقسوتها، ويحاولون عبرها التغلب على حالة السأم وبتراكم قراءاتهم بات بعضهم أكثر قدرة على تحليل ما يلم به وبمن حوله وما يكتنف مجتمعه من مشكلات ولا يتوانى في هذا الصدد عن اقتراح الحلول التي يتوقع بأنها قد تجدي نفعا. ويتم القراءة في هذه المجاميع عادة وفق منهجية خاصة، فيقوم كل عضو في المجموعة بترشيح كتاب ومن ثم التصويت عليها، وما ينال منها العدد الأكبر من الأصوات يشرع الجميع في قراءته في فترة زمنية غالبا ما يتم تحديدها سلفا بالاتفاق فيما بينهم، ويلي الانتهاء من القراءة خطوة اثارة النقاش حول ما تم قراءته للخروج بأهم أفكار الكتاب ومدى أثرها وأهميتها والجانب الإبداعي فيه بخاصة في حال كان من النوع السردي أو الشعري. ويحظى الكتاب في نهاية المطاف بتقييم عام من أعضاء المجموعة إلى جانب كتابة ملخص حوله ينشر على موقع أو صفحة المجموعة. ومن اللافت أن أكثر هذه المجموعات القرائية التفاعلية يقوم عليها شباب غالبيتهم، كما أشرت يقرأ للمتعة ومحاولة الفهم وإن كان من بينهم من لديه مشروعه الثقافي أو الأدبي الخاص وبهذه القراءات يحاول أن يصقل مهاراته ويمتلك أفضل الأدوات التي تمكنه من إنجاز مشروعه سواء كان مشروعه هذا تأليف رواية، أو كتابة نصوص شعرية أو قصصية أو غيرها. كما أن من الجميل أن بعض هذه المجموعات لا يقتصر اهتمامها على القراءة فقط، وإنما تترافق هذه القراءات بين وقت وآخر بفنون إبداعية أخرى، كالأداء الصوتي المسرحي المبدع لبعض ما يتم قراءته من نصوص وبخاصة النصوص القصصية والشعرية لقابلية تسجيل قراءتها صوتيا في وقت وجيز خلاف الرواية التي تتطلب وقتا أطول. إضافة إلى مشاهدة الأعمال السينمائية وخاصة الأفلام الروائية التي تجسد أحداثها بعض الأعمال الروائية المعروفة ومقارنتها بما جاء في النص الروائي ومدى نجاحها أو اخفاقها في تجسيده. كما لا تخلو بعض هذه المجاميع من اهتمام فرعي بفنون مثل الرسم والخط إما لتطرق بعض ما يتم قراءته لتلك الفنون أو نتيجة لوجود مبدعين ومهتمين بها بين الأعضاء ما يخلق مزاوجة ممتعة بين ألوان عدة من الإبداع الأمر الذي يضفي حيوية تجعل بعض هذه المجاميع محل جذب دائم لأعضائها ما يجعلهم يمضون بين جدرانها الافتراضية ساعات طويلة حيث يجدون فيها متنفسا صحيا لهم يملؤهم بالشعور بالثقة والجدوى ويعمق وعيهم بمفردات جمال الحياة وقيمتها. إذ لا يخفى على الكثيرين مخرجات القراءة الواعية على الفرد والمجتمع غير أنها تظل ضمن هذا الإطار محدودة لمحدودية البيئات الحاضنة والمشجعة على اجتراح هذا الفعل الحيوي الحضاري مثل هذه المجاميع التي تنشأ بجهود فردية ووقوع أغلبها خلف جدران العالم الافتراضي والأكثر فاعلية منها تجري في برامج مغلقة مثل: «واتس اب»، إضافة إلى أنها تعد على الأصابع، ويتم الالتحاق بها غالبا بالتزكية لجدية القائمين عليها ما يجعلها متعذرة على الكثيرين عوضا عن أن هناك من لا يعرف بوجودها مع الأخذ بعين الاعتبار ندرة وجود المجاميع القرائية على أرض الواقع لدينا عدا تجارب خاصة نشأت بمبادرات من بعض المهتمين بالكتب. وهو ما يدفع للسؤال، لمَ لا تتبنى الأندية الأدبية وفروع جمعية الثقافة والفنون ضمن أنشطتها الثقافية إنشاء مجاميع قرائية أو جلسات للقراءة أو أندية للقراءة بأي مسمى كان لخلق الوعي أولا بأهمية القراءة ودورها الحيوي في الحياة واشباع هذا الجانب لدى هواة القراءة وكذلك لتجد إصدارات الأندية المكدسة في المستودعات من يقرأها إلى جانب الهدف الأهم وهو احتواء الشباب وإضاءة سبل الحياة الطيبة أمام نواظرهم عبر القراءة الواعية التي توقظ في النفس مكامن الشعور بجمال الحياة عوضا عن تركهم نهبا للانسياق نحو مستنقع القتل والتدمير الذي يسوقهم إليه أعداء الإنسانية من الإرهابيين حمى الله وطننا الحبيب الغالي من شرهم.