استحوذت حادثة التحرش التي تعرضت لها فتاتان في كورنيش جدة -مؤخراً- على اهتمام المجتمع، فما عاد الناس يطيقون هذه الانتهاكات المخزية التي يرتكبها بعض الشباب العابث والمستهتر بقيم المجتمع. والتحرش جريمة يعاقب عليها القانون في كل مكان في العالم، فخصوصية الناس مكفولة وليس لأحد الحق في انتهاك هذه الخصوصية والتطفل عليهم وإيذائهم بالقول أو العمل تحت أي ذريعة. ولذلك نجد أنه حتى في البلدان التي لا تقيم وزناً للقيم الدينية يتم التعامل مع المتحرشين بصرامة تصل حد القسوة، فكيف يمكن قبول التحرش أو التساهل معه في مجتمع كالمجتمع السعودي الذي تحتل فيه القيم الدينية موقعاً أساسياً في صياغة سلوك الناس وتحديد المقبول والمرفوض من التصرفات. لكن الغريب هو أنه كلما وقعت حادثة تحرش جاء مَن يدافع عن الشباب ويُلقي باللوم على المرأة، وهذه عُقدة تجاوزتها الكثير من المجتمعات بينما ما زال بعض الناس عندنا يرون أن المرأة هي دائماً المذنبة حتى يثبت العكس لأن مكانها هو بيتها وهو محبسها الأبدي الذي لا يحق لها الخروج منه وإذا خرجت فعليها وحدها أن تتحمل تَبِعة ذلك سواء كانت ظالمة أو مظلومة! وبصراحة فإنه ما لم يصدر تنظيم واضح وصارم لمكافحة التحرش وتجريم هذا الفعل القبيح ومَنْ يمارسونه ومعاقبتهم بحزم ودون تردد فإن المتحرشين سيستمرون في إيذاء الناس. ومن المؤسف أن مجلس الشورى قام صيف العام الماضي بسحب مشروع نظام طال انتظاره لمكافحة التحرش، وذلك تحت ضغط مَن اعتقد أن إقرار نظام لمكافحة التحرش سوف يؤدي إلى الاختلاط! ومن المفارقات اللافتة أننا نجد عندنا من يتساهل في نظرته للمتحرشين بل نجد من يلتمس العذر لهم، بينما في «إسرائيل» وهي الكيان الذي نزدري قيمه الاجتماعية تمت محاكمة الرئيس السابق للبلاد موشيه كتساف وإدانته وسجنه بقضايا تحرش واغتصاب. كما أن «إسرائيل» أنشأت في الشهر الماضي وِحدة نسائية خاصة في الشرطة الإسرائيلية لمكافحة التحرش. أما في أمريكا غير المسلمة فتصل عقوبة المتحرش إلى السجن مدى الحياة وإلى غرامة ربع مليون دولار! أتمنى أن يجد المتحرشون في قضية كورنيش جدة وفي غيرها من القضايا العقابَ العادل والحازم، فذلك وحده هو الذي يُدْخِل الاطمئنان إلى قلوب الناس ويُفْهِم المتحرشين أن المجتمع ليس غابة يسودها السلوك البهيمي المنفلت.