استقبل الشارع الرياضي إقامة نهائي كأس السوبر السعودي خارج الوطن بردود أفعال متباعدة ومتفاوتة في شكلها ومضمونها.. وأصبحت نظرية نيوتن الفيزيائية تنطبق على حالة اجتماعية رياضية هذه المرة.. فبقدر قوة القرار فإن ردود أفعال ومشاعر المتفائلين، ومثلهم المتشائمون، تشابهت في الشدة، واختلفت في الاتجاه!! وقد سبق إعلان القرار عدد من الشائعات التي رشحت أكثر من مدينة لإقامة ذلك النهائي.. قبل أن يستقر الرأي أخيراً على عاصمة الدولة العظمى بريطانيا.. فكان القرار هو «لندن».. لن أكون مندفعاً في الحكم على هذه التجربة بالنجاح أو الفشل.. لكني أمام أكثر من مشهد محتمل.. وقبل ذلك نحن أمام ردود أفعال أولية من الشارع الرياضي بمختلف أطيافه.. بعضها يستدعي البحث والتأمل.. تخيل معي هذا المشهد: الزمان: صيف 2015م المكان: ملعب كوينز بارك - لندن الحدث: كأس السوبر السعودي الطرفان: الهلال والنصر ما الذي يحدث أمامنا؟! كيف يحصل ذلك؟! والسؤال الأهم: لماذا؟! وكأننا نعيش شيئاً من حلم.. أو تعليقاً من أحد الظرفاء.. فبعد أن كان الجمهور السعودي قبل عشرات السنين ينتظر ويمني النفس بمشاهدة مباراة فريقين سعوديين تنقل على الهواء مباشرة ها هو يعيش ليسمع ويرى بنفسه أن ديربي الرياض سيقام في لندن!! وحين نقول لندن فإننا نذكر لقبها الجميل «عاصمة الضباب».. ولعلها هذه المرة كان لها من اسمها أكبر نصيب.. ويتلخص ذلك في تلك الصورة الضبابية التي لازمت القرار وما قد يلحقه من تبعات!! والأسئلة في مقابل هذه الحالة كثيرة ومزدحمة.. أحدها: هل كان للعائد المادي أي علاقة في توجيه القرار في ذلك الاتجاه الذي سيعود بالنفع المالي على الاتحاد والفريقين؟ وهل هو العائد المجزي الذي سيجعلهم يقبلونه دون النظر لتبعات القرار وسلبياته؟ هل هو ذلك العائد المادي الذي وصل إلى مرحلة يمكن معها أن نتنازل عن بعض المألوف والمتفق عليه؟! والسؤال الأهم: كم هو ذلك المقابل؟ وكم نصيب الأطراف المعنية؟ أم أن هذا السؤال ناله من الضبابية ما ناله هو الآخر؟!! وثانيها: هل اتحادنا الموقر وأنديتنا العزيزة، كل بمن يمثله، هل هم جاهزون لتقديم أنفسهم أمام الآخرين، وفي دولة هي معقل ومدرسة كرة القدم في العالم.. والشهيرة بقوة وصلابة قوانينها وأنظمتها؟.. لا أعني بالضرورة الجاهزية الفنية؛ فهي مسألة نسبية، وسبق أن قدمت منتخباتنا الوطنية نفسها بأكثر من شكل ومستوى فني في البطولات القارية والعالمية.. وهي ليست محل نقاشنا.. لكن ما أعنيه هنا هو الجاهزية التي تعني ضمان تقديم أنفسنا أمام الآخرين بالكثير من معاني التنافس الشريف.. والنزال النبيل.. والروح الرياضية.. وإثبات ما نملكه من قيم رفيعة.. وتربية حسنة.. الوضوح والمكاشفة أمران مطلوبان.. فلا تزال الذاكرة القصيرة تحتفظ بأحداث آخر نهائي سعودي قبل أسابيع معدودة.. وهو الذي التقى فيه نفس الفريقين.. وحدث بعده ما حدث من خروج عن الروح الرياضية.. لست متشائماً بتكرار مشهد غير لائق.. لكني في الوقت ذاته لا أود أن نصدِر للعالم إلا كل جميل ومفيد.. وعلى العكس من ذلك، فإن الحضور المشرّف لاتحادنا الوطني وللفريقين وجماهيرهما والتعامل المثالي قبل وأثناء وبعد المباراة سيكون بلا جدال رسالة «سعودية» ملموسة ومسموعة ومرئية، تقول للعالم كله إن رياضتنا لا تزال بخير.. إن الإقدام على نقل ثقافتك للآخرين هو سلاح ذو حدين.. وجرأة باتجاه توجيه الرأي العام الخارجي تجاه تصرفاتك.. وهو مغامرة بشرية، عنوانها «تكون أو لا تكون».. وثالثها: هل سيكون لمشاركة الفريقين في اللقاء حال نقله إلى لندن أي تبعات سلبية، قد تعيق مسيرتَيْهما في الاستحقاقات التنافسية المقبلة؟ هل تم أخذ رأي المتنافسَيْن قبل نقل لقائهما؟ حقيقة لا أملك الإجابات القطعية لهذين السؤالين.. لكنها تساؤلات تقف أمامي وأمام غيري بشكل «ضبابي» هو الآخر.. ورابعها: هل تم الأخذ بعين الاعتبار ما للجمهور وما عليه؟! هل من المصلحة العامة حرمانهم من نهائي ينتظرون حضوره في أرض الوطن.. أم أن المصلحة تقتضي إتاحة الفرصة للآخرين من السعوديين المغتربين والإخوة العرب، ومثلهم المحبون من مختلف جنسيات العالم، لحضور لقاء تاريخي وديربي هو الأقوى في منطقته من حيث عراقته وشعبيته ومتابعته؟! كلا الخيارين يعد منطقياً عند طرحه أو تبنيه كوجهة نظر تقبلها فئة وترفضها أخرى.. أما خامسها وسادسها وما يليهما من أسئلة فهي كل ما اقتصرت المساحة المتاحة للمقالة عن استيعابه.. فالرأي العام رياضياً واجتماعياً من حقه أن يعرف ويطلع على أهداف تلك الخطوة والرؤية الموضوعية من خلف هذا القرار.. وبالطبع، فإن طرح هذه الأسئلة لا يعني بأي حال من الأحوال التشكيك في نوايا أصحاب القرار إطلاقاً؛ فهم مستأمنون أمام الله.. ومحل ثقة المسؤولين.. وندعو لهم بالتوفيق والنجاح في كل حين.. لكننا نطرحها لبديهيتها وارتباطها بلب الموضوع.. فالمشهد الضبابي لا يمكن أن يكون إضافة إيجابية لصورة رياضية كروية هي ضبابية في الأصل؛ وتحتاج للإيضاح أكثر من التعقيد!! وفي حال استمرار هذا القرار محل التنفيذ فإنه سيكون لي - بمشيئة الله تعالى - وقفة أكثر شفافية.. ورسالة عامة لجماهيرنا العزيزة هنا وهناك.. وبغض النظر عن مكان إقامة هذا النهائي فإني أتمنى أن يخرج بالشكل المطلوب، وأن يقدم لنا الصورة الجميلة لرياضتنا وروحنا وتسامحنا وطيبتنا وأخلاقياتنا.. أياً كان مكان إقامته.. في وداع سعود الفيصل.. أي فراق يا سيدي.. أي حزن تركته لنا.. أفرحتنا دهراً.. وسنفتقدك مدى الدهر.. إن فارقتنا جسداً.. فقد بقيت في ذاكرتنا.. لن نتوقف عن محبتك.. لن ننساك من دعواتنا.. وسنروي للأجيال.. عن ذلك العز وتلك الحكمة التي تمثلت في رجل.. دمتم أحبة.. تقربكم الرياضة.. ويجمعكم وطن.. بدر بن إبراهيم السعيّد - مختص بالتخطيط الاستراتيجي للمنظمات الرياضية