إلى اللحظة لست أدري إذن أنت لا تحبني... قلها صريحة... وإن قلتها...؟ هل ستبحثين عن رجل آخر يحبك شرير أنت... قالتها ضاحكة لم تسأليني إذن...؟ هل لتضعيني في موقف المتهم... أم لتهربي من مواجهة سؤال بكبر الدنيا ينتصب في أعماقك وتخشين الإجابة عليه.... طأطأت رأسها ووضعت يدها خلف رقبتها المكتنزة بياضاً مشوب بحمرة كلون الحمرة كأنها تتحسس عنقها وبأنه لا يزال في مكانه، أو ربما كأنها تبحث عن شيء فقدته ولم تجده. ما بك.... سألها لا شيء... لا شيء لكني أشعر بشيء من الدوار... هل تتألمين...؟ آه... كثيراً ما يؤلمك...؟ لا شيء لا شيء.. اللعنة على ذلك السؤال.. ليتني ما سألتك!! كان مجرد سؤال صغير.. أتراه هكذا؟ لا أدري... لا أدري أرجوك لا تكثري الأسئلة فتمرضين مرة أخرى وربما تموتين.. ضحكت ضحكة عريضة ملء فيها، ثم استدارت إليه منتشية أو كأنها وجدت فجأةً ما كانت تبحث عنه حين كانت تتحسس رقبتها قبل لحظات. قالت وعيناها مصوبتان باحمرار الدم إلى وجهه... أو تخشى علي من الموت...؟ أعوذ بالله من أسئلتك... ألستِ إِنسانة ولك حق الحياة... ثم أكمل كلامه بصوت تغلب عليه الجدية... الحياة والموت ليست من اختيارنا فلسنا نحن من أوجدناها. عادت تكرر السؤال بصرامة أكثر... أجبني بلا مماحكات هل تخشى علي الموت؟ قال جازماً: نعم.... نعم أخشى عليك الموت إذن أنت تحبني.. وكيف استطعت الوصول لهذا الاستنتاج أجابها متسائلاً: بسيطة «ما بدها تفكير» ولا عبقرية.. إذن قولي ولا تتفلسفي هيا... احكي قالها محتداً وكأنه يداري حقيقة حبه لها الله عليك.... قالتها ببرود مصطنع وهي تضحك ثم أكملت... تذكرني نبرة صوتك وملامح وجهك بممثلي الصف الثاني أو الثالث من الممثلين عديمي الموهبة الذين غالباً ما يؤدون دور ضابط التحقيق أو دور الطبيب في الأفلام والمسلسلات العربية. ثم أعقبت كلامها بضحكة جعلته يشيح بوجهه عنها نحو حائط الغرفة كأنه يداري خجله عن غباء كلمته. شدَته من كتفه وهي تقول بدلال أنثوي طاغٍ... التفت إلي... لا تحاول الاختباء ، أرجوك دعيني اللحظة فأنا مثلك أشعر بالدوار وأشعر بأني أريد أن أضرب هذا الحائط الجامد برأسي لعله يتحرك، أو لعل الدم يعاود الجريان في شراييني استدارت وقالت... أعتقد علي الذهاب الآن إلى أين...؟ إلى دارنا وهي تقوم بإعادة لف الكوفية الفلسطينية المرقطة بالأسود والأبيض المائل للزرقة حول عنقها اتقاء برد الشارع في ذلك الوقت المتأخر من الليل. كرر النظر إليها صامتاً وكأنه يستجديها المكوث... نظر إلى ساعته وقال: - (بعد بكير) لا زال في الوقت متسعاً لجدال آخر .. قالت وهي تهم بالانصراف يكفي هذا لليلة... وخرجت مسرعة دون حتى ان تلتفت إليه وأغلقت خلفها باب الغرفة.. بقي ناصر يقلب النظر في الأشياء المحيطة به في الغرفة. ثم زم شفتيه وكأنه يقول في نفسه.... لا جديد يوحي بالفرح في هذه الغرفة الكئيبة نفس التلفزيون القديم على تلك المنضدة الآيلة للسقوط، نفس اللوحة البائسة المعلقة على جدار الغرفة ، نفس الستارة النصف مهترئة التي بالكاد تغطي النافذة، وطاولة صغيرة عليها بقايا كوبين من الشاي الباهت اللون ونصف زجاجة ماء معبأة من حنفية المطبخ وعلبة سجائر وولاعة نص مملوءة بالغاز. تنهد ثم استدار ناحية التلفزيون وأخذ يعبث بالريموت كنترول دون اكتراث .. ألقى بالريموت على الطاولة وتناول علبة السجائر وأشعل سيجارته.. أخذ نفساً عميقاً وألقى بجسده المنهك على الأريكة الوحيدة التي بالغرفة. تناول كتاباً ليقرأه... أظنه ديوان شعر. - محمد الخضري